المثقفون السوريون: الاستحقاق الرئاسي نموذج رفيع لممارسة الحياة الديمقراطية
تتميز العملية الانتخابية بأنها تجربة سوريّة خالصة وأصيلة، بعيدة عن الوصفات الجاهزة والقوالب المعلّبة الوافدة من الخارج، وهي تجربة تؤسس لحياة سياسية جديدة ولمرحلة ديمقراطية سياسية تقوم على مبدأ التعددية وتوسيع المشاركة للقوى السياسية في رسم الحياة السياسية عموماً.. من هنا لا يعير أ.عفيف دلة مدير ثقافة دمشق اهتماماً للأصوات التي تشكك بسلامة هذه العملية لأن هذا التشكيك برأيه كان وسيظلّ موجوداً بحكم الاصطفاف السياسيّ الإقليميّ والدوليّ المعادي للدولة السورية ذات التوجه القوميّ والمقاوم، وبالتالي فطالما أن هناك ثوابت وتوجهات وطنية وقومية لسورية هناك حالة استعداء لها دولةً وشعباً نتيجة مواقفها الشعبية والرسمية، مؤكداً أن حالة التشكيك اليوم تهدف إلى التشويش على العملية الانتخابية ومحاولة تسويق فكرة أن هذه العملية غير مكتملة الأركان وغير شرعية، مبيناً أن السوريين لن يعطوا هذا التشكيك أكثر من حجمه لأننا في سورية، في نهاية المطاف ،مستمرون في تجربتنا الديمقراطية وفي رسم ملامح حركتنا السياسية المستقبلية عموماً بعيداً عن التأثّر بأية عوامل سلبية خارجية أياً كان مصدرها، مؤكداً في الوقت نفسه أن سورية اليوم تحتاج لقائد وأننا حين نتحدث عن قائد نتجاوز فيه المعنى الدستوريّ للرئيس لنتحدث عن القائد بالمعنى الشعبيّ والوطنيّ وحامل القضية والهمّ الشعبيّ العامّ لأن القائد اليوم هو من يقود الشعب والمعركة والمرحلة، وبالتالي فنحن اليوم في سورية برأي دلة لا نحتاج إلى رئيس ليقوم فقط بمهام دستورية وإنما نحتاج لقائد يتفاعل مع شعبه ويتفهمه ويكون قادراً على استيعاب حصيلة المتغيرات الإقليمية والدولية والتعامل معها وأن يصمد في مواجهة كل التحديات والمخاطر التي تحيط بهذا الشعب وبهذه الأمة عموماً وأن يكون أميناً على القضية الوطينة والقومية، مدعوماً شعبياً، يلتف حوله الشعب والمؤسسات بكل اتجاهاتها وحواملها، كما يجب أن يعبّر عن وجدان الأمة في هذه المرحلة التاريخية وفي كل المراحل اللاحقة..
سورية تحتاج لقيادة استثنائية
ويوضح الشاعر والمفكر جمال الدين خضور أن هناك عدة مستويات لقراءة المسألة الديمقراطية كالمستوى الدستوريّ والوطنيّ والسياسيّ والقانونيّ والتنمويّ والبشريّ، بالإضافة إلى المستوى المعرفيّ الذي يؤسس لهذه الظاهرة، مبيناً أنه على المستوى الدستوريّ والقانونيّ يُعدّ الاستحقاق الرئاسيّ القادم نموذجاً رفيعاً لممارسة الحياة الديمقراطية بنمطيها الدستوريّ والقانونيّ وعلاقته بالحاضنة الشعبية، وهوّ حالة وطنية تعبّر عن استقلالية القرار وتثبت عناصر السيادة للوطن السوريّ.. ولأن الديمقراطية عملية تدريب وتمرين، والاستحقاق كما يشير خضور هو الشكل التعبيريّ عن الحرية، موضحاً أنه كان يرى الشعب السوريّ دائماً يمارس حريته بصيغة أو بأخرى، وبالتالي عندما ينتقل الفعل الحرّ إلى الشكل الدستوريّ يثبت مقولة أن الديمقراطية أنتجت تمارينها وهي فعل لا سقف له، متطور دائماً، وبالتالي فأي منجَز برأي خضور يضاف إلى فعل الديمقراطية يؤسس لفعل ديمقراطيّ آخر.. وعن دور المواطن في إنجاح العملية الانتخابية يوضح خضور أن السوريّ يمكن أن يتصرّف عبر أسلوبين، الأول ممارسة مواطنيته بشكلها التلقائيّ العفويّ، والآخر بشكلها الواعي، مؤكداً أن كلا النموذجين يتقاطعان في ممارسة هذا الحقّ.
ورداً على الأصوات الخارجية التي تندد بالعملية الانتخابية وتشكك في سلامة سيرها يبيّن خضور أن هذه الأصوات هي أدوات ونقاط استناد للغزو الذي تتعرض له سورية، والأدوات هي جحافل المرتزقة وقاطعو الطرق الذين جُمِعوا من كل أصقاع العالم ووجدوا بعض نقاط الاستناد الداخلية والخارجية المتمثلة بالمنظومة العولمية المتوحشة، وبالتالي فإن هذه المنظومة بأدواتها ستقف بالضرورة ضد أي منجز اجتماعيّ ديمقراطيّ أو دستوريّ أو تنمويّ. وبالتالي فإن هذه المرحلة التي نعيشها استثنائية وتحتاج إلى قيادة استثنائية تستطيع التعبير عن المرحلة التاريخية بكل مستوياتها.
خصوصية التجربة
كما يبين الشاعر الشاب غدير فائز اسماعيل أن الحالة الديمقراطيَّة في سورية هي حالة ذات خصوصية كبيرة، تتمثَّل بظروف الوطن على مرِّ التاريخ وموقعه الجغرافي وتركيبته البشرية بمكوناتها الإثنيَّة والقومية المتعدِّدة والتعايش الجميل بينها على مرِّ القرون، وبالتالي تُحتِّم هذه الخصوصيَّة على كلِّ ذي عقل ألا يلتفت إلى تجارب خارجيَّة ويحاول استيرادها كوصفةٍ جاهزة ويطبقها على أرض الوطن، بل يجب أن تكون التجربة الديمقراطيَّة سوريَّةً بامتياز، تراعي الخصوصيَّة سالفة الذكر.
من هنا وبوصفنا مقبلين على الانتخابات الرئاسيَّة، وكون هذه الانتخابات هي الفيصل والحكَم حول نجاح التجربة الديمقراطيَّة والإصلاح السياسي الذي تقوم به الحكومة السورية فإنَّ أهميتها برأي اسماعيل في الوقت الراهن تكمن بما سلف، مشيراً إلى أنَّ هذه الانتخابات بواقعها المتمثل بالعدد الكبير من المرشحين وترشيح مجلس الشعب بصورة مستقلة لثلاثةٍ منهم بعد أن حقَّقوا الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 5 إنما هي خطوةٌ كبيرة في هذا الاتجاه، كما أنَّها تشكَّلُ اللبنة الأولى في بناء الصرح الديمقراطي السوري بشكله الجديد، وستتبعها خطواتٌ أخرى حول تحسين الشكل والمضمون القانوني لمراكز الإدارة في الوطن بما يتناسب مع الواقع وهذا يؤدي كما يشير اسماعيل إلى الاطراد في مكافحة الفساد، والإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والاجتماعي.. وباتجاه ثانٍ يؤكد اسماعيل أنَّ الانتخابات في هذه المرحلة العصيبة التي يمرُّ بها وطننا الحبيب سورية هي السبيل الآمن للخلاص من دوَّامةِ العنف والإرهاب الدامي المسلح من خلال التداول السلمي للسلطة على قاعدة الرغبة الشعبية وصندوق الاقتراع وفق الدستور.. من هنا فإن دور المواطن كبير في إنجاح العملية الانتخابية بوصفها مثلثاً متساوي الأضلاع: “المرشحون، القانون الناظم، المواطنون الناخبون” وأي خللٍ أو غياب لأحد هذه الأضلاع يؤدي بالضرورة إلى فشل العمل الانتخابي، وهنا تكمن أهميَّة المواطن كطرف أساسي في إنجاح العملية الانتخابية وفرز القيادة التي ستحكم الوطن في السنوات القادمة من خلال ممارسة حقه الطبيعي المكفول دستورياً.
ويبين اسماعيل كذلك أن الرئيس المنتخب يجب أن يكون على دراية واسعة بالوضع السوري، وهذا لا يحققه إلا من يعيش داخل الأرض السورية ويطَّلع على الواقع السوري مباشرة لا عن طريق وسائل الإعلام الخارجية، كما أنَه بالضرورة يجب أن يملك مشروعاً متكاملاً في النواحي كلها، مراعياً جدولة إعادة إعمار الوطن وترميم ما خرَّبته العصابات المسلَّحة والسعي لاستعادة ما نُهِبَ من خيرات وآثار الوطن وإعادة السيادة لهذا البلد الحر المستقل، كما أنَّ الإجماع الشعبيّ، أو لِنَقُل الأغلبية الشعبية الحقيقية يجب أن تكون في صفِّه لأن الرئيس أو الحزب عندما يكون قائداً للدولة والمجتمع من خلال إرادة الجماهير خيرٌ من أن يكون قائداً بنصٍّ قانوني .
وعن المشكِّكين في نجاح العملية الانتخابية يقسم اسماعيل المشككين إلى قسمين: المشككون الخارجيون وهم الأطراف التي تحاول -عبثاً- التدخُّل بالوضع السوري، وهؤلاء لا يستحقون الرد لأنهم في الحقيقة أطراف خارجية ليس لها أي علاقة بالشأن الداخلي، والمشككون الداخليون وهؤلاء هم أبناء الوطن الذين أعمَتْهم الأحداث عن حقيقة أصلهم وانتمائهم، ولهؤلاء يقول اسماعيل: إنَّ فشل العملية الانتخابية سيزيد الوضع سوءاً، فدعونا نعبِّرُ عن آرائنا بالكلمة وبالاحتكام إلى صندوق الاقتراع فذلك خيرٌ من الاحتكام إلى السلاح وتدمير الوطن بحربٍ عبثيَّة، الخاسر الأوَّل والأخير فيها هو الوطن وليس السلطة ولا النظام ولا الحكومة، الوطن الذي كان ولا يزال لجميع السوريين، أخوة في الانتماء والمصير، والعملية الانتخابية ستتم بأصوات مواطني سورية، فلا تحرموا أنفسكم من فرصة التغيير السلمي والتعبير عن آرائكم لبناء الدولة الديمقراطية المنشودة .
أمينة عباس