محليات

المارد الأوراسي يستيقظ!

لا يكفي أن تطلب سورية الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي فقط، بل يجب على حكومتها أن تبذل جهوداً حثيثة كي تصبح عضواً كاملاً في هذا الاتحاد الذي سينطلق رسمياً مطلع العام القادم.
ولم نفاجأ بالطلب السوري، لأن من يسعى لتنفيذ مشروع ربط البحار الخمسة، لن يتردّد في الانضمام لمشروع يشبهه كثيراً كمشروع “الاتحاد الأوراسي”.
صحيح أن الاتحاد ليس ابن ساعته، وإنما هو نتيجة لسنوات من الاجتماعات والمناقشات، لكن توقيت إعلانه بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، والتهديد بمزيد من العقوبات عليها إن لم ترضخ للإملاءات الأمريكية.. يحمل رسالة شديدة اللهجة للغرب الاستعماري: لستم الأقوى في العالم.. وداعاً للعولمة الاقتصادية الأمريكية!.
لايعرف الكثيرون القوة الاقتصادية الضخمة التي يشكلها الاتحاد الأوراسي بدوله الثلاث فقط، فهو يشكل سوقاً إقليمية ضخمة تضمّ أكثر من 170 مليون نسمة، ويملك احتياطات ضخمة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك خُمس احتياطات الغاز العالمية، ونحو 15% من احتياطات النفط.. وستتعاظم قوة هذه السوق أكثر فأكثر مع انضمام أعضاء جدد إليها من آسيا وأوروبا الشرقية كالهند والصين وإيران والعراق.. وسورية.
ولمن لايعرف الكثير عن القوة الاقتصادية والسياسية لهذا “المارد الأوراسي” الذي تشكّل روسيا قلبه ومحوره النابض، نقول بإيجاز: أوراسيا أي (أوروبا- آسيا) تمتد من حدود أوروبا الغربية على المحيط الأطلسي حتى ضفاف الصين وروسيا على المحيط الهادئ في الشرق، وهي تضمّ ثلاثة أرباع مصادر الطاقة في العالم.
ولطالما شكلت المنطقة الأوراسية “منطقة الارتطام” في تنافس القوى الدولية الكبرى للسيطرة والهيمنة على العالم، وهذا مايفسّر التوجّه الحالي للغرب الاستعماري باتجاه نشر الدرع الصاروخية على الحدود الروسية، ونقل خططه “السيااقتصادية” إلى جنوب شرق آسيا، بل إن تفجير الأوضاع في أوكرانيا هدفه الفعلي منع قيام المارد الأوراسي!.
والغرب لايخشى القوة الاقتصادية لمنظومة “الأوراسيا” أو جغرافيتها وحسب، وإنما ما يخشاه أكثر فأكثر هو تحوّلها إلى إيديولوجيا تجتاح روسيا، و”موضة” فكرية تجمع حولها الحالمين بتحدي الهيمنة الأمريكية في العالم!.
منذ ربع قرن حذر “زبيغنيو بريجنسكي” من يقظة المارد الأوراسي، وأكد أنه “يشكل مكمن التحدي السياسي والاقتصادي للسيادة الأمريكية على العالم.. وبأن قوة أوراسيا تفوق بشكل كاسح قوة أمريكا”.
مايحدث الآن أن المارد الأوراسي استيقظ على إيقاع الحرب على سورية وتفجير الحرب في أوكرانيا، وقريباً جداً “ستلعن” فيه أمريكا “الساعة” التي حدّدتها لشن هذه الحرب على كل من سورية وروسيا.. هذه الحرب التي أيقظت المارد من سباته العميق والطويل!.
علي عبود