ثقافة

يحيى الشهابي.. أمير المايكروفون بلا منازع

لأنه علم من أعلام الإعلام في سورية وأحد الذين حملوا على أكتافهم مسيرة الإذاعة السورية منذ نشأتها وحتى بدء مرحلة نضجها وانطلاقتها كواحدة من الإذاعات العربية المتميزة، كان من الطبيعي أن يصبح الأمير يحيى الشهابي مالئ الدنيا وشاغل الإعلاميين كما يصفه الإعلامي القدير محمد قطان مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة ضمن سلسلة ندوات “أعلام خالدون”.. ولأنه اسم خالد في عالم الإعلام طال الحديث عنه في هذه الندوة التي شارك فيها إلى جانب قطان المخرج الإذاعي حسن حناوي وبإدارة الباحث أحمد بوبس.

صوت إذاعي ساحر
ولأن مجرد الحديث عنه هو حديث عن مسيرة إذاعة عريقة كإذاعة دمشق التي خبرها وعرفها كما يعرف أقرب المقربين له ظل مخلصاً لها حتى أيامه الأخيرة، تاركاً وراءه سيرة عطرة وتاريخاً مشرفاً لإعلاميّ أحب مهنته إلى أقصى الحدود، فكان كما يشير قطان صوتاً إذاعياً ساحراً وأمير المايكروفون بلا منازع بصوته الرخيم ونبراته العذبة، مبيناً وهو الإعلامي العريق أن الشهابي كان واحداً من أبرز الأسماء المهمة التي جذبته إلى عالم الإذاعة عام 1956 حين كان طالباً يافعاً في تجهيز البنين الأولى بدمشق حين استطاع عن طريق الشاعر أبو سلمى إعداد وتقديم وإخراج عدد كبير من برامج الأطفال فدخل الإذاعة في شارع النصر وكانت بداية معرفته بالأمير الشهابي الذي كان مديراً لبرامج الإذاعة وقد ساهم في إرشاده في أسلوب وتقديم ما كان يقوم به .
ويبين قطان أن الشهابي واكب الإذاعة في بلدنا منذ أيامها الأولى.. في تلك الإذاعة الصغيرة التي أنشأها الانتداب في بداية الأربعينيات لنقل أخبار الحرب العالمية الثانية، ومن المواقف التي كان يعتز بها حين دخل الإذاعة السورية يوم جلاء الأجنبي عن سورية في السابع عشر من نيسان عام 1946 ففي ذلك الصباح افتتح الشهابي الإذاعة قائلاً:
“أيها الشعب الكريم، يا شعب البطولات والتضحية، هذه إذاعتكم، إذاعة الجمهورية السورية من دمشق، إذاعة القومية العربية، إذاعة كل العرب، تنقل صوتها إليك في أعيادك، الإذاعة السورية في دمشق تتحدث إليك”.
ويؤكد قطان أن الأمير الشهابي كان عاشقاً للإذاعة، مفتوناً بها، متحمساً لتطوير مرافقها عامةً وتحسين كوادرها وتطويرها، محباً وراعياً لأجيالها الشابة.. فكان الإعلامي الكبير الرائد الذي لم يتخلَّ يوماً عن العمل المخلص الجاد.. وقد تتلمذتْ على يديه أجيال وأجيال من المذيعين فأقام الدورات والندوات والمحاضرات في مختلف مجالات العمل الإعلامي والتي كان لها أيضاً الأثر البالغ في دفع وتائر العمل الإعلامي قُدماً إلى الأمام” مبيناً قطان أن الشهابي كان علامة مضيئة في الأدب والإعلام ومذيعاً قديراً وإدارياً ناجحاً وأديباً ألمعياً، وهناك الكثير من محبيه ممن عرفوه ورثوه من شعراء وأدباء وإعلاميين وفنانين، مشيراً إلى أن الرائد صباح قباني كان قد قال فيه: “كان أميراً في مناقبه وفي تعامله مع الآخرين.. كان أمير الكلام والمهنية الصادقة”.
ويختم قطان كلامه مذكِّراً بأن الأمير هو من أخذ بيده في خطواته الأولى وعلّمه الكثير من أسرار المهنة وشجعه على ألا يخاف المايكروفون.

مهنية عالية
أما المخرج الإذاعي حسن حناوي فيبيّن أنه عرف الشهابي حتى قبل أن يدخل إلى الإذاعة وهو الذي كان مستمعاً لها ومعجباً بصوت الشهابي، وهكذا تمر السنوات لتكون الإذاعة مقصد حناوي من أجل العمل، وفي العام 1984 وفي ممرات الإذاعة قادته قدماه إليه دون أن يعرف أنه الشهابي، مشيراً إلى أن الشهابي بمهنيته العالية واسمه الكبير كان شخصاً متواضعاً، يساعد الجميع وكثيراً ما يتذكره وهو يتجول على كل الأقسام الموجودة في الإذاعة يلقي السلام على من هو حاضر، منوهاً بذاكرته التي ظلّت حاضرة في أدق التفاصيل رغم تقدمه في السنّ، ويؤكد أن برنامجه “دوحة الشعر” مازال خالداً في الذاكرة وهو البرنامج الذي بدأ مع بداية الإرسال في الإذاعة واستمر حتى رحيله عام 2003 وإكراماً له استمر البرنامج بصوت الإعلامي محمود الجمعات، مشيراً حناوي إلى أن مجموعة كبيرة من الإعلاميين قد تخرجت من تحت يديه .

حُكِم عليه بالإعدام
في حين ينوّه الباحث الموسيقي أحمد بوبس مدير الندوة إلى أن الشهابي الذي كان معلماً للمرحلة الابتدائية لم يخطر بباله في يوم من الأيام أن يكون مذيعاً إلا أن صداقته لنشأت التغلبي جعلته يخطو خطواته الأولى في هذا المجال وذلك حين دعاه التغلبي للمشاركة في الإذاعة الداخلية لمدرسة جودت الهاشمي، مشيراً كذلك إلى أن الشهابي والتغلبي عملا معاً في الإذاعة التي أنشأتها السلطات الفرنسية عام 1939 وقد استمرا فيها حتى العام 1945 وقصف القوات الفرنسية للعاصمة، حينها قام الاثنان بتحطيم الإذاعة ومن ثم الهرب، فحكم المفوض السامي على الشهابي بالإعدام ليكون الشهابي عام 1947 أول من افتتح إذاعة دمشق الوطنية.
بعضٌ من تاريخه
يُذكَر أن الأمير يحيى الشهابي من مواليد راشيا اللبنانية عام 1917 تلقى علومه الابتدائية والثانوية والعالية من معاهد دمشق، حاز على البكالوريا والترجمة الملكية، كما نال شهادة في الإخراج الإذاعي من الولايات المتحدة، وعمل مدرساً في مدارس دمشق الرسمية.
في عام 1943 دخل عالم الصحافة وعمل في جريدة “القبس” و”بردى” إضافة لعدة صحف دمشقية أخرى، كما ساهم في تحرير عدة مجلات أدبية.. دخل مذيعاً إلى الإذاعة السورية، ثم أصبح عام 1947 رئيساً لقسم المذيعين، وفي عام 1950 كُلِّف بمديرية برامج الإذاعة السورية.
وكان الأمير يحيى الشهابي واحداً من القامات الإعلامية الرائدة التي عاصرت بداية الإذاعة السورية ثم التلفزيون وقد أصبح مديراً عاماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون وساهم في فتح الباب للأصوات المحلية والعربية والتي أضحت من عمالقة الفن فيما بعد ومنها من سورية: رفيق شكري، فايزة أحمد، ياسين محمود، نجيب السراج، كروان، سعاد محمد.. ومن العرب: فيروز والرحابنة، وديع الصافي، عبد الحليم حافظ، نجاح سلام.. وغيرهم من الفنانين.
أمينة عباس