ترشيد الاستيراد نحو الانفراج واستنزاف القطع “شمّاعة” لرفض طلبات غير مرغوبة؟! “خيار وفقوس” في منح إجازات الاستيراد.. و”الاقتصاد” تنفي جملة وتفصيلاً اتهامات التجار
أدرج قرار ترشيد الاستيراد ضمن قائمة القرارات الأكثر سلبية على الاقتصاد خلال الأزمة بالنسبة للقطاع الخاص، في وقت صنّف فيه لدى الجهات الحكومية على أنه الأفضل في المحافظة على القطع الأجنبي من الاستنزاف والأنجع في دفع التجار إلى التركيز على استيراد السلع الضرورية لا الكمالية.
الطرف الأول –أي رجال “البزنس”- لم ينكر محاسن القرار إذا طبّقته وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بشفافية دون تمييز في منح إجازات الاستيراد بين تاجر (غير مدعوم) وآخر محتكر لاستيراد مواد بعينها منذ عقود، بالعربي الفصيح -يستحيل تنازله لفتح المجال لتجار جدد قيد أنملة- حسب تعبير تاجر لـ”البعث”، وبات الحدّ من هدر احتياطياتنا من الدولار، شمّاعة علّقت عليها وزارة الاقتصاد جميع قرارات رفضها لإجازات استيراد سليمة مائة بالمائة طلب أصحابها الموافقة على شراء مواد مسموح استيرادها، كما يقول تاجر آخر.
تصريحات مغرضة
معاون وزير الاقتصاد الدكتور عبد السلام علي نفى هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً، مؤكداً لـ”البعث” عدم وجود “خيار وفقوس” في منح إجازات الاستيراد، ومن يرغب باستيراد مواد أساسية للمستهلك وأولية للصناعة نوافق عليها دون تردّد، إلا أن ترشيد عملية الاستيراد وعدم الموافقة على السلع الكمالية وغير الضرورية، حفاظاً على القطع الأجنبي -من وجهة نظر علي- دفعا الكثير من المنتجين والتجار إلى إطلاق تصريحات ناجمة عن أحكام مسبقة موجودة في مخيّلتهم ولا صحة لها على أرض الواقع.
إلا أن مصدراً مسؤولاً في الوزارة كشف لـ”البعث” عن خلافات وجدال ما زال قائماً بين منتجين وتجار، وبين معنيين في الوزارة لسببين الأول: نتيجة تفضيل الوزارة مستوردين بعينهم ومنحهم الموافقة تلو الموافقة واستبعاد تجار رغبوا باستيراد سلعة ما، والثاني: عدم تمويل واردات مستوردين دون عذر يذكر؟!.
عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق لا يرى في سياسة ترشيد الاستيراد الحل الأمثل، معتقداً أن السوق هو الحكم على ترشيد الاستيراد من بعض السلع أو المواد الأولية والمستلزمات الأخرى والسوق هو الذي يحدّد نوعيات البضائع وكمياتها ومستويات وأسعارها بعيداً عن فرض سياسات محدّدة. وأكد الحلاق أن السوق حالياً مشبعة بمختلف أنواع البضائع ودون تصريف لهذه البضائع، رافضاً أي إجراءات أو قرارات من شأنها أن تضع قيوداً على الاستيراد وخاصة في مجال المواد الأساسية للمواطن، ويدعو إلى ترك الأمور لقوى السوق والعرض والطلب، الأمر الذي يساهم في وفرة المواد وتخفيض الأسعار.
مستوى للموافقة
اتهام التجار للجهات الحكومية بالتمييز في منح إجازات الاستيراد دفع معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية للتوضيح في أكثر من مناسبة بأن الوزارة تمنح موافقات الاستيراد لجميع التجار وفق مستوى واحد، باستثناء أصحاب المنشآت الصناعية، إذ لديهم مخصّصات محدّدة من المواد الأولية لا يمكن تجاهلها، لأنهم يمدّون الأسواق المحلية بالسلع.
وبيّن علي أن “وزارة الاقتصاد” تمنح موافقاتها لاستيراد السلع الأساسية والضرورية بشكل يحقق التوازن بين الطلبات المقدّمة لاستيراد السلع ذات النوع الواحد من دون أن يطغى مستورد على آخر من حيث الكميات الموافق على استيرادها..
يشار إلى أن قرار ترشيد الاستيراد يُلزم مستوردي السلع والمواد المعفاة من نظام الإجازة المسبقة في أحكام التجارة الخارجية، التقدم بطلب استيراد إلى مديريات الاقتصاد والتجارة الخارجية يسجل أصولاً، وتقوم تلك المديريات بإحالته بجداول يومية إلى مديرية التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد ليتم البت بشأنها.
وجود ما يعرف بـ”القائمة السلبية للمستوردات”، نظام اعتاد عليه التجار -حسب تعبير أحد التجار في حديثه لـ”البعث”- وهي قائمة تضمّ السلع والمواد التي يُحظر استيرادها، وكانت آخر قائمة في هذا الصدد قد صدرت في عام 2008، واستمرت حتى منتصف عام 2011 بعدها صدر قرار تضمن تعليق استيراد المواد التي يقل رسمها الجمركي عن 5%، وهي تشكل نحو 30% من المستوردات السنوية، وبيّنت وزارة الاقتصاد حينها أن القرار هو لمصلحة الاقتصاد الوطني وأنه سيوفر نحو 6 مليارات دولار سنوياً، إلا أنها لم تلبث أن قامت بإلغائه بعد 11 يوماً فقط من صدوره بسبب تداعياته السلبية المباشرة على السوق والتجار، فضلاً عن اتجاه بعض الدول لمعاملة البضائع السورية بالمثل.
قائمة سلبية
في الوقت ذاته، وبناءً على اتهامات التجار لوزارة الاقتصاد بالبخل في منح إجازات الاستيراد، كشفت “الاقتصاد” عن منحها ستة آلاف إجازة استيراد، خلال النصف الأول من العام الجاري، وذلك لمختلف المواد ذات الأولوية من البلدان الأجنبية إضافة إلى 2100 موافقة للاستيراد من البلدان العربية، وذكّر علي معاون الوزير بأن القائمة السلبية للمستوردات الصادرة من عام 2008 تمنع استيراد مجموعة من المواد لأسباب صحية وبيئية وأمنية ودينية أو مواد تتوافر لها بدائل في السوق.
من جانب آخر، تعكف الوزارة حالياً على تعديل أحكام التجارة الخارجية وتقليص هذه الأحكام من 1500 صفحة إلى 400، كاشفة عن إنجاز 50 فصلاً وبقي 47 فصلاً قيد البحث بالتعاون مع اتحاد المصدّرين وخبرات مختلفة من عدة جهات في وزارات الدولة وإنجازها خلال فترة قصيرة لا تتعدى الشهرين، حيث سيتم في ضوء هذا التعديل العمل على إعادة النظر بالقائمة السلبية للمستوردات للمواد الممنوعة من الاستيراد عبر تقليص هذه القائمة وعدد المواد الممنوعة وذلك لمصلحة السوق السورية والمستهلكين.
فيها نظر
الأزمة وأخذ جميع تداعياتها بعين الاعتبار يوجبان العدالة في منح إجازات الاستيراد -إن افترضنا جدلاً أن ادعاءات التجار صحيحة– وذلك لمصلحة الأسواق واستمرارية تدفق السلع الضرورية بما يلبي حاجة المستهلك، وللمحافظة على تجار وقفوا بكل إخلاص وصمدوا ليبقى الوطن شامخاً، في المحصلة، تصبّ سياسة العدالة في توزيع العطاءات في مصلحة الاقتصاد الوطني.
دمشق – سامر حلاس