ثقافة

في محاضرته حول الدراما فايز بشير : مازلنا نفتقر إلى الدراما الجاسوسية

رغم انتشار الدراما السورية وتفوقها بكل أنواعها على مدى امتداد الوطن العربي وبلاد الاغتراب إلا أنها مازالت تفتقر إلى أعمال الجاسوسية الإسرائيلية رغم تضمينها داخل خطوط السياق الدرامي لبعض الأعمال ،ومن المعروف أن هذا النوع من الأعمال يشدّ المتلقي ويتطلب معايير موضوعية وناظمة لكتابة نصّ محترف وموثق ،هذا هو المحور الأساسي للمحاضرة التي ألقاها الكاتب فايز بشير في المنتدى الثقافي العراقي وبيّن فيها أهمية هذه الأعمال في إيصال رسائل ومقولات بطريقة سلسة وبعيدة عن المباشرة على لسان أبطال العمل ،وتناول فيها تطور الدراما الجاسوسية متوقفاً عند أسباب افتقار درامانا إلى هذا النوع من الأعمال.
وقد أثار في البداية الخلاف الذي طال مصطلح مفردة “الدراما” إذ أُطلقت بالمعنى العام على الأعمال التلفزيونية أو ما ينتمي إليها ،أما الدراما بالمعنى الحقيقي فتعني أي عمل مسرحي أو تلفزيوني أو سينمائي أو حتى روائي تتخلله مجموعة شخصيات ملوّنة تتناقض ما بين الخير والشر بين الأبيض والأسود ،وتعالج عقدة العمل الفني أو الروائي ما تعانيه قوى الخير على يد قوى الشر.
من هنا أسهب المحاضر في تفسير وتحليل جملة أمور تتعلق بالدراما الجاسوسية التي تعني قوى الشر ،وهي إسرائيل بشكل مباشر وأساسي إضافة إلى القوى الإمبريالية والرجعية العربية بشكل غير مباشر، ثم تطرق إلى بداية دخول التلفزيون إلى حياة الناس في عهد الوحدة عام 1960 إلى سورية ومصر ،وقد ترافقت هذه المرحلة بعد سنوات بنكسة حزيران 1967 فصار التلفزيون إلى جانب الإذاعة سلاحاً إعلامياً إلا أننا لم نحسن استخدامهما كما فعل عدونا ،إذ استغل كل شيء يتعلق بهاتين الأداتين من غناء وتمثيل وبرامج وأخبار لإيصال وتحريض الشعوب على العرب وفي الوقت ذاته تحريض العرب على العرب ،فأخذت إسرائيل تنتج أعمالاً جاسوسية تظهر فيها تفوق الجندي الإسرائيلي وتستهين بقدرة الجندي العربي.
تطور الدراما الجاسوسية
في هذه المرحلة اكتشف بعض المبدعين من الكتّاب والفنانين الدور الذي من الممكن أن تؤديه الدراما إذا وُظفت إعلامياً بالشكل الصحيح ،وبدأ المصريون بالتغيير في عملية الدراما وطرح قضية الجاسوسية ،فجاءت الأعمال الأولى متواضعة إلا أنها لاقت رواجاً وتناولت قصص بعض البطولات العربية التي نجحت في اختراق جيش العدو وإيصال الرسائل إلى الاستخبارات المصرية التي كانت تقدم المعلومات إلى قيادة أركان الجيش ،فتقوم مجموعة أو سرية بعملية عسكرية تنجح وتكبد العدو خسائر فادحة، ورغم سطحية هذه الأعمال من حيث الطرح إلا أنها تمكنت من استقطاب الجمهور العربي المتعطش لفرصة انتقام من العدو الإسرائيلي حتى بعمل تمثيلي .وبعد حرب تشرين التحريرية تطورت الدراما الجاسوسية من حيث العمل الجاسوسي والتقنية الفنية فظهر الأنموذج البدائي لها إذ كان الجاسوس يدخل إلى فلسطين المحتلة من إحدى الدول الأوروبية بجواز سفر مزور ويختلط بالمجتمع الإسرائيلي ويجري تقاطعات مما يسمعه ثم يرسل رسائل مشفرة أو بالحبر السري عن طريق التتابع ،وهذا الأسلوب استطاع أن يعمق العلاقة بين الدراما الجاسوسية والمتلقي.
ومع تطور الجاسوسية العالمية تطورت صناعة الدراما وحظي هذا النوع بإمكانات إنتاجية ضخمة وتبارى الكتّاب بتصوير الأبطال “الجواسيس” في أعمالهم وبنوعية العمل ونجحت الدراما المصرية بتحويل الدراما إلى وسيلة إعلامية كبيرة لتحفيز العقل العربي وكسر الإحباط المقولب على الشخصية العربية ،فتتالت الأعمال مثل رأفت الهجان وسامية فهمي والعميل 101 والثعلب وغيرها.
أسباب تحدّ من إنتاجها
وبعد تطور صناعة الدراما الجاسوسية تطرق المحاضر إلى الأسباب التي حدّت من إنتاج الدراما الجاسوسية السورية، ويرى صاحب “رجال الحسم” أن من الأسباب عدم تعاون الأجهزة الأمنية في كشف بعض القصص الجاسوسية رغم انتهاء أحداثها، وهذا ما حصل معه من خلال تجربته فيما يتعلق بحياة الجاسوس كوهين في مسلسل رجال الحسم، إضافة إلى عدم تعاون شركات الإنتاج في القطاع الخاص بذريعة عدم وجود منافذ تسويقية لها وخاصة في دول الخليج حتى التلفزيون العربي السوري يرفض هذه النوعية من الأعمال بسبب أنها غير صالحة حيناً ولعدم توفر إمكانية إنتاجية حيناً آخر.
المعايير الناظمة
وختم المحاضر بالحديث عن المعايير الناظمة لكتابة نصّ للدراما الجاسوسية مبتدئاً بالكاتب الذي يجب أن يمتلك ثقافة نوعية بشؤون شبكات الاستخبارات وطريقة عملها ويعرف معلومات حقيقية عن جيش العدو وأجهزته الأمنية والإستخباراتية عامة والموساد بشكل خاص، وما يدور في دهاليز هذا الجهاز من مكائد ومؤامرات ضد الآخرين وخاصة العرب ،وأن يكون الكاتب قارئاً جيداً للأحداث والتاريخ وملماً بأدب الجاسوسية ويتحلى بالجرأة كقيمة مضافة دون الاستهانة بفنية النصّ وصولاً إلى تجسيد العمل الدرامي المتكامل ،وبيّن أيضاً أن النص الجيد ليس النص الذي يتحدى الرقابة مخترقاً الأعراف وإنما هو النص القادر على أن يحدث تحولاً فيها.
مِلده شويكاني