أزمة التعليم والبحث العلمي في سورية على طاولة البحث …
في محاولة لتحليل جميع المؤشرات الوصفية والكمية الخاصة بالتعليم العالي والبحث العلمي، كأهم مؤشرات للتنمية والنهضة والتعرف على واقع الجامعات في سورية وتصنيفها العالمي، تحدث الدكتور عفيف رحمة في محاضرته “واقع التعليم العالي والبحث العلمي في ضوء استحقاقات التنمية الشاملة” التي ألقاها في منتدى البناء الثقافي، عن أن الجامعة مرت منذ تكوينها في محطات مفصلية خضعت فيها لتطور في بنيتها ووظيفتها، مما فتح الأفق لتدخل باب المشاركة الفعلية في إدارة المجتمع وتطويره ومجابهة ما يرافقه من تغيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية كمواكبة مستمرة لما يعرف اليوم بالتنمية الشاملة، وضمن هذا الإطار يمكن تقييم واقع الجامعات ومدى توافق أدائها مع مستلزمات التنمية بتحقيق أحسن استخدام للموارد الاقتصادية والبشرية، وتساءل د.رحمة هل اجتهدت وعملت الجامعات السورية ضمن هذا المنظور.. وهل حققت مهامها في إعداد القوى البشرية بالمستوى العلمي والفني والمعرفي اللائق لانخراط الشباب في عميلة التنمية.. وهل قدمت ما يلزم لإنتاج كادر مؤهل لنجاح عملية التنمية الشاملة.
غياب شبه كامل للبيانات
كما أشار د. رحمة إلى أن الباحث في قضايا التعليم يعتقد أنه أوفر حظاً من غيره في ما يحتاج إليه من معلومات وبيانات، غير أن الواقع يفيد بأن عالم التعليم غارق بالغموض، وليست هناك قاعدة بيانات علمية وشفافة، ومع عدم وجود مصادر وطنية للمعلومات يلجأ البعض إلى وثائق عربية وعالمية والتي تكشف مقدار التخلف وعدم المواكبة لاستحقاقات التنمية والغياب شبه الكامل للمعطيات والبيانات في وزارة التعليم العالي أو الجامعات السورية، باستثناء تقريرين يتيمين صادرين عن مديرية البحث العلمي في جامعة دمشق لأعوام 2009 و2010، إضافة إلى المعلومات الفقيرة وغير الدقيقة على موقع اتحاد الجامعات العربية. ولعل أفضل باب يمكننا الدخول منه نحو دراسة واقع التعليم في سورية، حسبما ذكر د. رحمة، هو مؤشر التنمية البشرية الذي يصدر سنوياً عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والذي يقوم على مجموعة مؤشرات أهمها مستوى العناية الصحية ومتوسط عدد سنوات الدراسة والمستوى المعاشي وغيرها وحسب التقرير الصادر في بداية 2011 لـ 187 دولة نجد أن سورية تراجعت 47 مرتبة في سلم التنمية البشرية، وربما يرى البعض من المصاعب التي تواجهها سورية، عذراً لتبرير التقصير والتقاعس بالنهضة العلمية، إلا أن دولاً أخرى استثمرت ذات الظروف لتكون محرضاً لنهضتها مثل الاتحاد السوفييتي وكوبا وإيران.
معايير تقييم الجامعات
ويتم تصنيف الجامعات بناء على مجموعة من المعايير، حيث أوضح د. رحمة أن بعض المؤسسات العلمية والدولية تعتمد في تصنيفها للجامعات على المعلومات عبر الانترنت، إضافة إلى ما تقدمه الدول المعنية بشكل مباشر من بيانات، وهي تستند في تحليلها إلى مجموعة قضايا معيارية مثل سمعة المؤسسة التعليمية وأعضاء هيئتها التدريسية وسمعة الخريجين في سوق العمل والسمعة التنافسية بين الطلاب والميزانية المخصصة للأبحاث العلمية والأوراق العلمية المنشورة في مجلات عالمية مرموقة، وعلى الرغم من أنه قد يعترض البعض على اعتماد مثل هذه المرجعيات في تقييم الواقع العلمي بحجة اعتمادها على معايير ذاتية لا موضوعية وعدم أخذها بالاعتبار ظروف بعض الدول، ولكنها تصبح موضوعية نسبية، حيث تتم المقارنة والمقاربة بين دول ومؤسسات تعليمية تجمعها قواسم مشتركة.
تصنيف عالمي متراجع
ووفقاً لإحصائيات عالمية ذكر د. رحمة أن التصنيف العالمي لجامعة دمشق جاء في المرتبة 4778 على الرغم من كونها أول وأقدم جامعة في العالم العربي وتأسست عام 1923، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه من حيث الحجم تطورت الجامعات الحكومية وقدرتها الاستيعابية بشكل متوازن مع توسعها الجغرافي سعياً لتحقيق المزيد من العدالة العلمية والمعرفية، كما استحدثت الجامعات الخاصة في بداية القرن الواحد والعشرين، ولكن ماذا عن التطور النوعي؟
بناء على مؤشرات تقييم واقع الجامعات السورية فإنها تشير إلى عدم إدراك القوانين الجدلية بين التوظيف الكمي ودوره في التغير النوعي والذي نجد دلالاته في معدل الإنفاق الحكومي على التعليم العالي في سورية فثمار ما ينفق على البحث العلمي من مبالغ نجد ترجمتها العملية في عدد براءات الاختراع المسجلة وما يصدره كل بلد من تكنولوجيا متقدمة، ولذا نلاحظ الهوة الكبيرة في مجال البحث العلمي بين سورية ودول مثل كوبا وإيران.
تقريران يتيمان
وبالعودة إلى التقريرين الصادرين عن مديرية البحث العلمي في جامعة دمشق لأعوام 2009 و2010 شكر د. رحمة من أخرجهما إلى الضوء لأنهما الوثيقة الوحيدة المتوفرة لواقع التعليم في جامعة دمشق، وهما يشيران إلى أن الدراسات الأدبية والدينية تغلبت على الدراسات العلمية التقنية والطبية، وأن الإنتاج العلمي لا يتناسب مع عدد الطلاب الجامعيين ولا مع حجم الكادر التدريسي، والأهم أنه لا يتناسب مع دور الجامعة في التنمية والنهضة الوطنية، ونوه إلى أنه من أجل مواجهة الإخفاقات والعثرات لابد من تحرير المؤسسات والطاقات العلمية من القيود والضوابط المعطلة لجدلية العلاقة بين التعليم والتنمية.
لوردا فوزي