ثقافة

تشويه

جمان بركات

تعتبر العربية من أوسع اللغات، وأكثرها انتشاراً, فعدد الناطقين بها بحسب موسوعة “ويكيبيديا” يقارب 422 مليون, وقاموسها يتجاوز 12 مليون كلمة، ما جعلها تتبوأ المرتبة الأولى عالمياً من حيث الدقة في المعاني، فبالإضافة إلى ذلك فهي تمتلك 16 ألف جذر لغوي, وهو عدد يفوق جذور كل لغات العالم، وذلك بمجهود شباب مليئون بالإبداعات الكثيرة التي يقومون بها اليوم، حيث يشوهونها كل يوم بمفرداتهم التي يستخدمونها في مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من اختصر حروف الجر مثل “في” تقلصت لتصبح “فـ”، وكان لـ”على” نصيب من النقص فتحولت إلى “ع”، ولم يقتصر الاختصار فقط على أحرف الجر، وإنما طال هذا الإبداع الكلمات العربية نفسها وأفعالها فمثلاً أصبح السؤال اليومي المعتاد عن الحال يُقال “كيف حالوكي؟ أو حالوكا؟”، وللتعبير عن الحب “أو حبكي”. وحذف واقع الكتابة الجديد حركات اللغة الثلاث، وعُوضت بأحرف توضع بدلاً منها، وإن حذفت الكسرة والفتحة والضمة فبالتأكيد تذهب الهمزة -إن كانت قطع أو وصل- بالمعية، وقد أثبتت قواعد “اللغة الجديدة” أن أحرف العلة الثلاثة ليست مهمتها فقط الحركات، وإنما أثبتت قوة حضورها بجدارة عند وجود حرف علة قبلها -التي تحذفها كلياً في اللغة الأصلية- لكن من الواضح أن مفعولها وقوتها زادت عند الشباب، لإبراز مواهبهم في التعبير عن كل شيء على “الفيس بوك”، الأمر الذي يجعل القارئ يضع قلبه بين يديه مثلاً “لم أنجو”، وبعد تجاوز أحرف العلة، ما هو مصير المصدر الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي والسداسي؟، بالتأكيد لا أريد ذكر قواعد فعل الأمر التي نرى اليوم أجدد وأحدث طرق لكتابة أي فعل بصيغة الأمر، ولا يمكن التغاضي أبداً عن التنوين الذي تحول بعد رحلة طويلة من العناء ليصبح حرف مميز وبغنة “النون”.
أيضاً الأمر الأكثر غرابة في الموضوع أنه رغم استخدام الفئة الشبابية لهذه اللغة “المشوهة” على “الفيس بوك” أو أي موقع تواصلي، إلا أن هذه الشبكة بحد ذاتها تستخدم اللغة العربية بصيغتها الصحيحة، بمعنى أن الفيس بوك يستطيع استخدامها بشكلها الصحيح فلماذا التحريف والتشويه من قبل المستخدمين؟
في الحقيقة بعد كل هذا التشويه، هل يقبل مستخدمو الفيس بوك أو تويتر “الشباب” تشويه صورتهم الشخصية ونشرها على صفحاتهم الخاصة للتعبير عن شخصيتهم؟ هل يقبلون تشويه وجوههم كما يفعلون بلغتهم الأم “اللغة العربية” التي تعتبر من أروع اللغات، وفي النهاية الشخص الذي لا يستطيع إحياءها من الأفضل أن لا يساهم في اندثارها، فكلّ الوجوه قابلة للتشويه، لذلك غادروا أو قدّموا اللغة بشكل صحيح قبل أن يطالكم التشويه لينتقم للغته الجميلة.