نقطة ساخنة استفزاز اقتصادي
لا نأتي بجديد -ولكن نذكّر من ينفع عنده التذكير- بأن أبرز سمات اقتصادنا الوطني هو عدم ارتكازه على قطاع محدّد بعينه دون بقية قطاعاته المتعدّدة المتداخلة بألوانها المتسقة والمشكلة لوحة فسيفسائية متناغمة الألوان، وأن غياب أي لون منها يجنح بها نحو النشاز وعدم وضوح المعنى.
مشهد يستفز ويستنهض طاقات صانع القرار، الراغب فعلاً بالبناء والإعمار، ليعيد حساباته تجاه اقتصاد لم يلغِ طابعهُ الزراعي بقيةَ القطاعات (الصناعة- السياحة – التجارة)، إلى جانب الروافد الأخرى التي تساهم بتقويته كالثروات الباطنية، والموقع الإستراتيجي الذي يخول بلادنا لأن تكون بوابة أوروبا البرية إلى العالم العربي.
ولعلّ تفاصيل صورة اقتصادنا الوطني تزيد من حالة الاستفزاز المفترضة لدى صانع القرار، وخاصة فيما لو تمت مقارنته مع اقتصاديات بعض الدول الأخرى ذات اللون أو الطابع الواحد كدول الخليج على سبيل المثال التي يتسم اقتصادها بالعموم بالنفط، مع غياب واضح لدور بقية القطاعات زراعة، صناعة.. الخ، وبالتالي غالباً ما يكون اقتصادها ريعياً أو خدمياً، وفي حال نضوب ذهبها الأسود أو تراجع إنتاجه يخبو نجمها وينكمش اقتصادها الذي لم يُحسب له خط الرجعة لعدم وجود روافد أو بدائل أخرى تحلّ محله.
في حين يتمتّع الاقتصاد السوري –بحكم تنوع قطاعاته- بمقومات تجعله اقتصاداً منافساً فيما لو تم العمل– وبشكل جدي وبإرادة لا تنثني– على تفعيل مفاصله كافة عبر زج كامل أدوات الإصلاح في التنمية الاقتصادية، ولربما يتأتى ذلك -بالدرجة الأولى- من خلال وضع الخطط والسياسات التكتيكية منها والإستراتيجية الواضحة والشفافة، والعمل بنهج ربط الإدارة بالأهداف، والالتزام ببرنامج زمني يكفل عملية تنفيذها بأسرع وقت ممكن وبأقل التكاليف التي تحدّ من نسبة الهدر، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ولاسيما النمور الآسيوية.
كما أن اعتماد مبدأ مكافأة المجد ومعاقبة المسيء، من شأنه إفراز نتائج إيجابية تساهم بترميم الهيكل الإداري والتنظيمي بشكل أوتوماتيكي كوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وانتفاء عمل سماسرة التوظيف الحكومي والقضاء على الترهل والبطالة المقنعة، ولعلّ للجنة مكافحة الفساد دوراً مهماً في هذا الشأن يساهم بدرجة كبيرة في تمتين أواصر اقتصادنا الوطني.
ولتكتمل حلقة التنمية الاقتصادية المنشودة.. فالقطاع الخاص مدعو بقوة للمشاركة في عملية التنمية والإصلاح باعتباره شريكاً إستراتيجياً لنظيره العام وحصل على امتيازات وتسهيلات حكومية طالما كان ينادي بها، لذلك عليه –وخاصة في هذه المرحلة بالذات- ركل مبدأ “رأس المال جبان” والمضي قدماً باستثمارات إنتاجية حقيقية دون التركيز على الخدمية والريعية، فالمراهنة على دوره الاجتماعي والاقتصادي مازالت قائمة، وكلنا أمل ألا نخسر الرهان.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com