اقتصاد

مطلوب خطط معلنة

في السابق كان الطلب والعرض شريكين في زيادة أسعار المنتجات النباتية، أما الآن فالعرض -كما هو واضح للعيان– كبير جداً، لكن الأسعار ملتهبة، وبالتالي الطلب في أدنى مستوى له، لنخلص إلى نتيجة مفادها: بأن المشكلة برمتها تتلخص في ارتفاع تكاليف الإنتاج أو أن الصادرات من هذه المحاصيل في أحسن حالاتها –وهذا غير واقعي– ما نريد قوله: إنهما شرطان يؤدي حصول أحدهما لزيادة الأسعار، مع أننا نميل إلى اتهام الأول كونه ملموساً وأقرب إلى الحقيقة من الثاني، حيث أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي -وعلى لسان أهل الزراعة- وصل معدل الارتفاع في تكلفة بعض مستلزمات العملية الزراعية إلى 300%، ويظهر ذلك من خلال الفارق الكبير بين ما يَبيع به المزارع منتجه في سوق الهال للتجار من جهة، وما يدفعه المستهلك ثمناً للسلعة، من جهة ثانية.
لطالما أن الزراعة كانت من أهم حوامل الاقتصاد السوري على مدى العقود الماضية، وهي من ساهمت بشكل كبير في دعم الاقتصاد خلال الأزمة، فلماذا لا توضع خطط متكاملة لدعمها، وبرامج إسعافية ومرحلية وإستراتيجية لخفض تكاليف الإنتاج في هذا القطاع الحيوي، بالتزامن مع الانفراج الأمني الجيد الذي يتلمسه الجميع يوماً بعد يوم.
هناك عدة مؤشرات هي بمثابة محفزات يفترض أن تدفع الحكومة إلى دعم هذا القطاع مالياً وعينياً ومعنوياً، لخفض تكاليف الإنتاج وضمان عدم تراجع عزيمة المزارع، ودون أدنى شك صمود العاملين في الزراعة واستمرار إنتاجية الفلاح بكفاءة عالية، وبالتالي زيادة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع ماقبل الأزمة، هي غيض من فيض هذه المؤشرات القوية، التي توجب توسيع مساحة أسواق الجملة التي تباع فيها الخضار والفواكه لرفع سوية التنظيم والتقليل من حلقات الوساطة التي يمرّ بها المنتج.
من باب رفع العتب يمكننا القول: إن زيادة التكاليف لم تكن سبباً جوهرياً في تضخم أسعار المنتجات الزراعية لأن الزراعة تتأثر أيضاً بعوامل خارجة عن الإرادة، كالجفاف ونقص المساحات المزروعة نتيجة الأعمال الإرهابية التخريبية، ومن هنا تنبع أهمية توطين الصناعات المحلية وزيادة إنتاجها ودراسة المحاصيل الزراعية قبل موسم زراعتها وتخفيض تكاليف مستلزمات الإنتاج.
وإن تحدثنا بمصداقية فإن هذا الارتفاع في تكاليف العملية الإنتاجية الزراعية، الكبير والمستمر، يعدّ طبيعياً نتيجة الوضع الحالي التي تمرّ به البلاد، لكن في جميع الأحوال وفي زمني الحرب والسلم مازال الخاسران معروفين، الأول: المزارع الذي يعاني من غياب ضوابط لهذه الأسعار، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، قد نخسر أكثر من نصف المزارعين بخروجهم من العملية الإنتاجية “لا سمح الله”، والثاني: المستهلك الذي يدفع مكرهاً معظم دخله الشهري لتأمين حاجياته الأساسية من الخضار والفاكهة.
مشكلات جمّة تواجه الفلاحين وتحول دون تنفيذهم للخطط الزراعية على أكمل وجه، وقد تكون أهم مطالبهم تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي وبأسعار مناسبة، وتقسيط الديون المترتبة عليهم من المصرف الزراعي، وإعادة النظر بقانون الاستملاك ودعم زراعة المحاصيل الإستراتيجية، وعلى الحكومة الأخذ بها لما للقطاع الزراعي من أهمية في تحقيق الأمن الغذائي.

Samer_hl@yahoo.com