كلمة البعث

مآلات الصمود والكبرياء

من الواضح أنَّ الواقع الاجتماعي والسياسي العربي الراهن بما فيه من عبث وتدمير اقترن بقراءات عديدة خاطئة من اليمين واليسار.. هي اليوم قيد التصويب.
وعلى الرغم من أنَّ هذا الواقع يرخي بظلاله الكئيبة على البشر والحجر والشجر، إلا أنَّ قبسات الأمل لن تتلاشى، وهي إن اضمحلت فمازال هناك كوى عديدة للتفاؤل، فالوطنيّة والعروبيّة تحملان في ثناياهما وعبر سيرورة التاريخ عوامل قوة وعزم ورسوخ.
في هذا الواقع العربي مايزال هناك الملايين يدركون وعن يقين أنَّ ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي» هو تسمية واصطلاحاً وفعلاً قادم من المركزية الغربية بثوبها الأطلسي، وهو أيضاً يشكّل طوراً من مراحل الانتقال من «المخطط المركزي» إلى «العقل المركزي» الصهيوأطلسي – الوهابي. فالقراءة الصحيحة والموضوعية تثبت أنه ربيع أشواك بلا أزاهير، وهو صخرة في مدماك مخطط كبير كان ولايزال يعمل على تقويض دعائم الهويّة الوطنيّة، والعيش المشترك، والتنوير والحداثة، وكذلك المشروع القومي العربي.
تحت هذه الظلال، وفي كنف الصمود السوري شعباً وجيشاً وقيادةً، بدأ السوريون والعرب، وأحرارُ العالم – وهم كثرٌ – يتأكدون من أنَّ المتاجرة المستمرة بمفهوم «المظلومية» للأطياف السياسية والاجتماعية في الوطن الواحد – ولاسيَّما بتجلياتها الأخيرة في العراق – هي مساومة خسيسة قابلة للاستغلال بسرعة، وهي لا تقدِّم مسوّغاً عقلانياً مقنعاً لهذا الحراك الجنوني التكفيري المدمِّر الذي يستشري بغريزة قطيعية حمقاء لا تسفر عن هدف، ولا عن مموِّل، ولا عن قيادات، بل تقترن بسرعة بحضور معوّل عليه من دول الامبريالية والرجعية العربية، وبتدخّل مباشر من السفراء الأجانب ولاسيَّما الأطلسيين، ناهيك عن العامل الإسرائيلي الصهيوني الخفي والأساسي في الوقت نفسه.
ولطالما أثبت الصمود السوري المعهود، واليوم يثبت أكثر، أن هؤلاء لا يريدون إصلاحاً ولا عدالة اجتماعية ولا دولة وطنية ولا عروبية، فحين قُدِّمت إليهم ورقةُ الإصلاح والحوار سرعان مارفضوها مطالبين بالحريات الفردية الليبرالية التي أملاها برنار ليفي وآل ثاني وأردوغان وآل سعود، لأنَّ هذه الورقة ليست من مشروعهم المقترن أولاً بالتطبيع، وآية ذلك مانشهده اليوم في غزة مقترناً بالطرح «الربيعي» لمشعل «المقاومة السلمية المديدة».
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ مادمره مغول العصر – الإرهابيون وعصابة أردوغان – في حلب وحدها يفوق مادمره الأمريكان عام 1991 في العراق حين أجهزوا على عشرة آلاف منشأة صناعية. مايثبت أنَّ برنامج المجموعات الإرهابية الجوالة العابرة لا أجندة وطنية فيه ولا عربيّة ولا إسلاميّة ولا إنسانيّة، بالمحصلة إنَّها أجندة الإرهاب التي لا يمكن أن يتجاهلها إلاّ خائن أو متآمر.
ويذكّر التركيز على هذه الثنائيات المتداخلة التي تتوالد شرراً مستطيراً بالعمل المركزي المخطط على تحطيم حدود الدولة الوطنية التقليدية «القُطرية» الهادف إلى إنشاء كيانات مذهبية عرقية جديدة تسمى لاحقاً «دولة» لن تتمكن أي واحدة منها في يوم من الأيام من تشكيل حكومة وطنية دون تدخل إقليمي أو دولي سافر وأساسي على غرار مانشهده في لبنان والعراق.
هذه الحقائق لم يعد ممكناً القفز فوقها، فكم من وطني وعروبي نسمعه اليوم ونقرأ له وهو يؤكد أنه لو تزعزع صمود سورية والقائد الأسد لحظة واحدة لغابت هذه الحقائق، ولما أمكن تصويب القراءات الخاطئة، وردع المخططات التآمرية الكبرى في المنطقة والتي لا تجعل أصحاب التفسير التآمري للتاريخ على ضلال.
السوريون اليوم ومعهم العروبيون والشعوب الحرّة يتطلعون بأمل كبير إلى نتائج صمود سورية شعباً وجيشاً بقيادة الرئيس الأسد لبثّ روح الطمأنينة في الوجدان، والاتجاه إلى جسر جديد نحو المستقبل الواعد بالقضاء على الإرهاب والتكفير، وبناء الدولة الوطنية ذات الثوابت والمبادئ والدور المعروف، بعد أن تبنّى العالم وعن قناعة ومعطيات واقعية رأيَ الجموع التي اختارت في الانتخابات الرئاسية أملها.
إن القسم اليوم فرصة تاريخية لعودة الوعي، وترسيخ الهوية والانتماء.

د. عبد اللطيف عمران