نقطة ساخنة بوصلة النجاح
لعل أحد أسباب التقدم العلمي وانعكاساته على جميع مناحي وصُعد الحياة في الدول المتقدمة هو الربط بين التعليم وسوق العمل، حيث يحدّد كل طالب مذ كان على مقاعد دراسته الأولى ماذا يريد بالتفصيل، وذلك بناء على قدراته ومهاراته الشخصية التي تبيّن مدى نجاحه في كيفية الوصول إلى مبتغاه عبر مراحل منطقية ومدروسة تحدّد مسار دراسته ومجال تخصصه بدقة.
من أبرز مقومات الوصول إلى أي هدف مهما كان كبيراً، أن يتم التحديد وبشكل تفصيلي ودقيق لرغبة الطالب، وليس بشكل عام وفضفاض، حيث يمضي الطالب سنوات طوالاً يدور في فضائه، لا يعرف أين يستقر به المطاف، كما هو حاصل عند معظم طلابنا!.
طالب الطب في كندا –على سبيل المثال لا الحصر- لا يكتفي بدراسة طب العيون، بل يتعداه بالتخصص في بؤبؤ العين، وكذلك الأمر بالنسبة لرجل الاقتصاد الذي لا يكتفي بالتخصص في مجال المصارف والتأمين، وإنما يتخصص بالتسليفات أو الإيداعات وغير ذلك من مفاصل العمل المصرفي.
لقد أثبتت التجربة أن التخصص بجزئيات أي مجال مبنيّ بالأساس على الرغبة الحقيقية بانتهاجه، يصقل الخبرة التي ينتج عنها الإبداع في تطوير العمل سواء العلمي منه أو الاقتصادي، لا أن تتحكم علامات الطالب بمستقبله الدراسي والمهني بغض النظر عن مدى قدراته ورغبته الحقيقية، وبالتالي تحول دون متابعته أدق تفاصيل اختصاصه، أو يمتهن الإنسان مهنة تتوافق مع رغبات وطموحات أهله ومجتمعه.
ما يفتقده طلابنا حقيقة هو اكتشاف ذاتهم والمهارات التي يتمتعون بها، حيث يصلون إلى مرحلة متقدّمة من العمر وهم لا يعرفون إلى أين هم سائرون وماذا يريدون!.
كثير من مبدعينا تم وأد إبداعهم لأنهم آثروا إرضاء غيرهم على إرضاء ذاتهم، فاختار من كان عليه أن يدرس الرياضيات ويبدع فيها دراسة الطب، لأن الأخير هو الاختصاص الأعلى في نظر المجتمع، وفضل من يمتلك الحس الفني دراسة الهندسة بدلاً من الفنون الجميلة للسبب ذاته، لتكون النتيجة الطبيعية أن يتخرج الأول طبيباً عادياً عوضاً عن أن يصبح رياضياً عبقرياً، وأن يكون الثاني مهندساً إدارياً عوضاً عن كونه فناناً عالمياً يمثل بلده في المحافل الفنية العالمية.
فلنساعد أبناءنا على اكتشاف ذواتهم وصقل مهاراتهم، ولو كان ذلك على حساب أن يتركوا مقاعد الدراسة ويتوجّهوا نحو المهنة التي يرغبون، فالنجار المحترف والمبدع أفضل بكثير من الطبيب الفاشل أو المحامي السيئ الصيت، وقيسوا على ذلك…
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com