ثقافة

“تصويبات” أزروني.. الشعر إذا نطق!

بدءاً بالقصيدة التي هي جسد الشعر فقط.. وحتى إلى دمشق.. هي المجموعة الشعرية الحديثة الصادرة قبل أسابيع للشاعر والمسرحي عدنان أزروني المعروف بولائه الأزلي للشعر وحرصه على انتقاء كلماته وعناوينه لتتجانس مع كافة أبعاد القصيدة خصوصاً في مجموعته “تصويبات” الصادرة عن دار التكوين.
طالما يعتني الشاعر بمفرداته ليغب من بحر الكلام ويأتينا بما ينعش الذاكرة ويفسح الأفق أمامنا، لكن أزروني يصر على ركوب الموجة الصعبة فيقلل من التفاصيل ويدع للمتلقي استدراج خياله والاستمتاع بالقصيدة كما يشاء، فيما يتعمد أيضاً اتباع أسلوب العناوين الضبابية التي ترفع من حالة الترقب  في تصويباته، فإلى أين ستبحر بنا هذه التصويبات؟ يقول: (لنا وطن، شب عن طوق الحمامة، والعرس آت، آن للشعراء أن يلدوا، إناث القصائد، كاملات ويختم ذات القصيدة بقول أكثر مباشرة إذ يكمل: غفوت، البكاء، الحزن الخفي، الرصاص، دمي الذي يجري، من دون صوت، قالت دمشق: لقد صحوت، فقط، كان انتباهاً عابراً، يشبه الموت، وغفوت).
تلك الانتظارات الخفية تعلن انتظار صحوة دمشق بكل من فيها من أبنائها وهي التي امتدت جدائل فرح ما تغير لونها لكن حزنها تغلغل في كلماتنا وحياتنا اليوم فباتت لا تخلو – مجموعة شعرية أو قصصية- من مفردات الأزمة والوجع، فالأديب والمناضل مشروع شهادة كليهما وهذا ما أكدته القصيدة المهداة إلى عباس حاوي إذ كتب أزروني: (لكن البحر مشى على قدمي، حافياً، فكنت، وكان السامري الأخير..شهيد).
أما في ومضات بارقة أكد أزروني على الاختلاف في المضمون في قصائده (اللغة وإبليس عابرون وعبث) لتأتي ومضة عبث بصورة مختزنة مزلزلة لمشهدية الفكرة قبل التقاطها حيث قال: (أنفض عني ماعلقت من أمل..كالبحر ينفض ما أعياه من بلل).
ومن الملفت للمتلقي أن أزروني كغيره من الشعراء لابد أن يزج مفردات كان من الممكن استبدالها بغيرها “كأنكيدو” الشخصية الأسطورية التي يتكئ عليها في الآونة الأخيرة الكثير من الأدباء في أعمالهم الأدبية، كما وجه أزروني قصيدة عنونها بـ (الله) ما جعل المتلقي يتهيأ لنظرة صوفية وهو ما سيخالف فكر المجموعة أجمع  بينما حملت القصيدة رؤية تنعكس من الواقع المعاش ربما إذ بات بعض الأشخاص يؤلهون ذواتهم على الأرض وينطلقون خارج السرب متذرعين باسم الله، وربما كان للشاعر وجهة نظر خاصة تحمل بؤساً خفياً أخالفه فيها كمتلق ما يطرح  سؤالاً لم تحمل إجابته كل القصائد الآن .. وهو ألا يكون الشاعر شاعراً دون زج المقدسات  في قصائده؟ يقول:
(الله أكبر، أزلية مراكب الخوف، والصدفة، عالم جديد يتلو عالماً جديداً..والله، هندي أحمر، يتكرر).
ثم يعود الشاعر أزروني لطبيعته الشعرية وإحساسه المترف بالكلمة فيكثر من التعابير المشهدية والوصف العميق مبتعداً كل البعد عن السرد الزائد غير متقيد بوزن وقافية مافسح فضاء الكلمة والبوح حتى أقصاه.
أما دمشق مدينة الياسمين التي تخضبت تربتها وورودها بالأحمر فيختتم أزروني مجموعته بها لتكون مسك الختام فيؤنسنها ويهبها بعض روحه وكل فكره، موصفاً وجعها الذي يأبى الانحناء فيقول:
“ترفو السحاب، بدمعة وخيط من عذاب، ترنو.. حيث ينوء السنديان، بعبء خبرته، ويستطيل، مثل مئذنة تحن إلى الرحيل، ترتل ماتيسر من غناء، ترتب فوضى الهواء، تكدس الحياة فوق موت، دخيل، وتدخل في الغياب ثم من عدم تسيل، مثل نسغ الحقيقة في عروق، المستحيل، الوليمة، زفوا، طفلة انتباه، توأما عرس، إلى أثر فوق رمل، وآخر فوق ماء، ثم كان المكان مريم، وصدرها كربلاء، الـ (يعلم) وقد وسم العلم الرسم، وطأ الجوهر في المرآة، بما وسم، واتحدا، رمل الرمل، أما الطين، فعلا دون سمات زيف وابتسم”.
ديمه داوودي