الداء والدواء.. إشكالية ليست طارئة إجراءات إدارية ومفاصل تعمل في الرقابة الدوائية على حساب جودة ودورة المنتج!؟
فتحت القضية التي أثارتها معامل إنتاج الدواء والمتعلقة بالخلل الإداري في معالجة إشكالية طارئة في مجال التصدير، أبواباً واسعة للتعرف إلى بواطن وخفايا تحدث في سوق الدواء ويتم تحريكها عبر إجراءات إدارية ومفاصل تعمل في الرقابة الدوائية.
ففي الأداء والقرارات الإدارية نتعرف إلى صفة التحكم والسيطرة التي تتوفر لدى معظم العاملين في القطاع الرقابي الدوائي، حيث تحكمهم متعة الاستعلاء والفوقية ولا نرى مبرراً منطقياً لما يحدث، فالأصل في رقابة الدواء هو سلامة المنتج والعمل على توفره في الأسواق المحلية وخاصة أننا في ظروف أزمة ضاغطة على كل الصعد وأهمها السوق الدوائية.
أين الاستثمار المعلوماتي والرقمي؟
وفي سياق تحقيق ذلك تبرز قضية الإنتاج المحلي وأهمية مواكبة تطور أدائه وارتفاع عدد الأنواع المنتجة محلياً وزيادة الزمر الدوائية وتشميلها لمعظم الاحتياجات والأمراض، ومن أجل أن يتم ذلك يجب على إدارة الرقابة الدوائية إجراء إحصائيات حول الاحتياج الدوائي المطلوب وتوفير قاعدة البيانات المطلوبة لتوثيق الاحتياج ومدى توفره وما يتم منحه من موافقات استيراد وتصدير، وحتماً تدفع وزارة الصحة الكثير الكثير من أجل أتمتة العمل الرقابي الدوائي لأنه الأهم في سياق المتابعة المطلوبة، وفي هذا نسأل: ما هي البرامج المعلوماتية التي تتعامل معها إدارة الرقابة الدوائية وهي لا تستطيع إثبات موافقات صادرة عن الصحة في تصدير الدواء، ولأنها لم تجد قاعدة البيانات التي تؤكد ذلك أنكرت الموافقات وخلقت مشكلة تكاد توقف عملية الإنتاج الدوائي الوطني؟.
الدواء ودوار البحر!
والأهم رغم ما يتم توجيهه من ملاحظات وتساؤلات، أن الرقابة الدوائية لا تردّ إلا وفق الإطار الذي تتوفر فيه الآلية والمعلومة التي ترى أنها وافية للتعريف بأن الوضع في الإدارة الرقابية جيد، بل يتم صفّ إجابات لأسئلة لم يتم سؤالها ولا توجد معلومات دقيقة فيها، والأهم أيضاً هو عدم متابعة الوزارة لما يحصل في هذا القطاع على أهميته وحساسيته.
هل يجوز لمدير الشؤون الصيدلانية أن يقول لمستورد العبوات البلاستيكية لتعبئة الأدوية: لماذا لم تضع بلد المنشأ الأساسي، فيردّ عليه الأخير: العبوات مستوردة من النمسا والنمسا لا يتوفر فيها بحر، ولذلك تم توريدها من بلد مجاور إلى الميناء، ليطلب الأول المدير من المستورد أن أثبت لنا أن “النمسا ما فيها بحر”.. هل هذا معقول؟.
الأساس فيما يتعلق بإنتاج الدواء هو سلامة المنتج وخضوعه للمواصفة المطلوبة لتعبئته وإنتاجه، والمفترض أن تكون البيانات الجمركية وتفاصيلها مسؤولية الجمارك وليس الرقابة الدوائية والشؤون الصيدلانية.
مضادات ومتضادات
ولأن مثل هذه القضايا شديدة الحساسية فإننا نسأل: لماذا أدوية محددة يتم تبسيط إجراءات دخولها وتصديرها وتسعيرها وفق ما يريد منتجوها أو مورّدوها أو مصدروها، في الوقت الذي يتم فيه وضع كل المعوقات البعيدة عن القانون والإجراءات المتبعة لمعظم المنتجين أو المصدّرين أو المورّدين الآخرين؟.
من المفترض وضع معايير وضوابط للتصدير والإنتاج والرقابة والتعامل مع هذه المعايير تقنياً ومخبرياً ومعلوماتياً وليس شخصياً، فرأي المدير ليس المهم في إنتاج دواء أو تصديره، وإنما رأي المخبر الذي يدل على سلامة المنتج وصلاحيته، ثم تأتي قضية إلحاح السوق في أهمية توفير المنتج وأهمية أن تكون الرقابة الدوائية فاعلة في هذا المجال.
إتلاف للأدوية
حسبما سمعنا هناك إتلاف دائم لأدوية يتم استيرادها وإدخال معظمها لمؤسسات الدولة ومشافيها، ويتم هذا الإتلاف بسبب عدم استخدامها وفق الفترة الزمنية المطلوبة، ومن هذه الأدوية أدوية سرطانية ومناعية وأدوية تلاسيميا والتهاب كبد، وكل ذلك يتم بسبب الروتين القاتل الذي يحكم التعامل في موضوع أداء الرقابة الدوائية، وهنا نسأل: كيف يتم استثمار الميزانيات السخية لعلاج الأمراض، في استيراد أدوية لا يتم استخدامها جميعها.
يتطلب التدقيق
ليس المقصود أبداً الشخصنة في توصيف أداء هذه الدوائر، بل القصد أن ما يحدث من كثرة الإهمال وضعف المتابعة في كثير من الدوائر الصحية وغياب التنسيق والربط الشبكي بين المديريات وما ينعكس من كل ذلك على سمعة المنتج الوطني واستيراد أدوية دون مسوغات لذلك والدفاع عن الإنتاج الفاقد لشروط السلامة، وانعكاس كل ذلك على المنتج الذي لديه سمعة واسم نظيف في السوق الدوائية..، أن ما يحدث يحتاج –في مرحلة النمو والبناء- إلى إرساء قواعد سليمة ومتينة للنهوض بها، وهذا يتطلب التدقيق في أداء هذه الإدارات لأن الكثير من التشابكات يحدث، وهي أبعد ما تكون عن العمل الرقابي، فهل من مُهتم؟.
دمشق – ابتسام المغربي