الطفل الفلسطيني
أطفئوا الشموع، كفّوا عن الندب واللطم والنواح، أوقفوا كل هذا الصراخ، كل هذا الفائض من الثرثرة، من حشو الكلام، توقفوا عن التنظير والدجل والتزييف (أنتم يامن كنتم خير أمة أخرجت للناس) لاتحصوا أعداد الشهداء في غزة، ولا عدد الأطفال العائدين من رحم الأرض وإليها. أنتم يا أيها العرب المستعربة والعرب البائدة، نستثني منكم العرب الذين ظلوا مخلصين لقداسة ووجدان العروبة.
نحن من يحصي ماتبقى لنا من نبض القلب، ومن بعض العمر، لاتحصوا قافلة الأطفال الباحثين عن رغيف ليوم داكن الإحمرار، داكن الرماد، عن بعض مايشبه الماء، عن جدار يؤجّل ولو قليلاً هذا الموت الطارئ.
لاتحصوا قوافل الأطفال الذاهبين إلى الموت بلا رغبة منهم، بلا ذنوب ولا خطايا، فقط لأنهم فلسطينيون، فقط لأنهم يحلمون بعلم بلادهم يرفرف شامخاً في سماء وطن معذب ومتعب، لكنه أبداً شامخ وصامد، يذهبون إلى موت موحش وحزين، فقط لأنهم يحلمون بحمام زاجل يحمل بعض رسائل حنين الغيّاب المرغمين على كل هذا الترحال. يحلمون بسرير فيه بعض الدفء، بعض الحياة. إلى أيّ غدير تذهب قبيلة الدموع، دموع الأمهات الحزانى؟ إلى أين تمضي آهات الرجال الطاعنين في قهر الانتظار المر عن حنظل السؤال؟
ليس القتلة وحدهم من يقدّم الترياق لجرح السؤال، بل شركاء القتلة الذين يتباهون برفع علم (الصهاينة) في عواصمهم، الغربان العربان الذين ساهموا بسفك الدم السوري والفلسطيني والعراقي.. القتلة الذين اغتصبوا دوري الصباحات على نوافذ بيارة بحجم القلب اسمها (غزة)، بيارة بحجم الروح اسمها فلسطين.
لم يكتشف القتلة بعد حجم الكارثة، حين ذهبوا لتهيئة العديد من المقابر بلا شاهدات، مقابر لجيل فلسطيني يعرف كيف(يدوزن) الحجر.
لاتسألوا القتلة عن أي شيء، اسألوا شركاءهم، سيقولون لكم إلى أين هم ماضون، إلى أي الجهات ذاهبون؟ وأنتم يا شركاء القتلة ما عليكم إلا أن تنتظروا موتكم الذي تأخر كثيراً لتواجهوا مرياكم – أقصد قبوركم– بوجوه مضرجة بيقين البراءة التي اغتلتموها علانية، بخطيئة الليمون يزهر في شرفة الحياة، بإثم سنونوة قادها الحنين لأغصان الزيتون، لشركاء القتلة أذكّرهم بما قاله ذات مرة الرائع محمود درويش: – “سقط القناع عن القناع / لا إخوة لك يا أخي/ لا أصدقاء ياصديقي ولا قلاع / لا الماء عندك ولا السماء ولا الدماء ولا الشراع / ولا الأمام ولا الوراء / حاصر حصارك لا مفر/ ذهب الذين تحبهم ذهبوا / فإما أن تكون أو لاتكون / سقط القناع.. عرب أطاعوا رومهم / عرب وباعوا روحهم عرب وضاعوا/ أمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية/ أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا”. ستظل غزة صامدة في وجه الغزاة والطاغوت، ولابد للحجر الفلسطيني أن ينتصر.
أحمد عساف