توضيحات..
أصبح دعم الدولة لبعض المواد عبئاً ثقيلاً على خزينتها، وباتت فوائد رفع الدعم عن عدد منها تفوق المردود الاجتماعي والاقتصادي من الدعم نفسه؛ لأن مليارات الليرات ذهبت أدراج الرياح في أربعة عقود، وكان بالإمكان استثمارها في مشاريع ريع تمتصّ البطالة وترفع الأجور والرواتب وبالتالي مستوى المعيشة.
ودون أدنى شك، كانت السياسات الاقتصادية الضعيفة الخاصة بالدعم سبباً رئيسياً في هدر المال العام -كلام لا غبار عليه- وقد تكون هي المرة الأولى التي تقرّ فيها الحكومة -بكل صراحة وشفافية- بأخطاء الحكومات السابقة في تطبيق سياسة دعم استفاد منها الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال أكثر بكثير مما كسبه أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة، سياسة لم تفرّق بين فلاح بسيط يستهلك بضع ليترات من المازوت لتشغيل مضخة يروي بها أرضه، وصاحب معمل يستهلك أضعافاً مضاعفة من المازوت “المدعوم” يومياً، ومن آلاف الكيلواط من الكهرباء مقارنة مع استهلاك منزلي طفيف جداً من هذه الطاقة..إلخ؟!.
كما أن الأزمة التي أدّت إلى تراجع نسب الموارد كشفت ثغرات الدعم المتبعة، ونميل من جهتنا نحن إلى أنه السبب الرئيسي إلى توجّه الحكومة الآن إلى طرح مجموعة من السيناريوهات تحدّد فيها آليات الدعم الممكن تطبيقها، بهدف وقف الهدر وضغط النفقات وترشيده وضبط عمليات التهريب من المواد المدعومة الرخيصة قياساً إلى أسعار السلع المماثلة لها في دول الجوار.
إلا أن ما يؤرّق الشارع السوري هورفع الدعم تدريجياً دون إحلال سياسة بديلة تعويضية تصبّ في مصلحة أصحاب الدخول المتدنّية وشريحة الكادحين المنتجين والمكافحين، سياسة تعيد توزيع الدعم إلى مستحقّيه بعيداً عن قنوات الهدر، وخصوصاً المشتقات النفطية التي لا تحقق العدالة الاجتماعية لشمولها الأغنياء بدرجة أكبر رغم أن الفقراء هم أولى بالرعاية؛ مع توصيات بالجملة لخبراء الاقتصاد بأن تتزامن هذه الإجراءات مع أنموذج أمثل يحقق الديمومة والاستقرار للمالية العامة للدولة والاقتصاد الوطني، يتمثل في تقديم الدعم الحكومي للمواطن مباشرة، لأنه في حالة الاستمرار في اتباع الآلية الحالية للدعم الحكومي القائم على دعم السلع الأساسية والمواد الغذائية، فهذا يعني استمرار استفادة الفئة الأكثر استهلاكاً لهذه السلع من الدعم، وهي الفئة ذات القدرة المالية العالية، لا الفئات المستحقة..
مع الإشارة إلى أن الدفاع عن الدعم ومحاربة أية محاولة لتقنينه وترشيده لا تأتي من المستحقين الذين لا يكاد يُسمع لهم صوت، بل تأتي من المستفيدين غير المستحقين الذين نجحوا لفترة طويلة من الزمن في ممارسة الضغوط لحماية مصالحهم.
مناسبة تداول الحديث عن رفع الدعم تدريجياً، كانت زيادة سعري مادتي السكر والرز التموينيتين وقبلهما رغيف الخبز، مطلع الشهر الجاري، مع تخوّفات من استمرار الحكومة بالرفع التدريجي والمضي في سياسة تحرير الأسعار دون إحلالها بسياسات بديلة تعوّض المتضررين (أصحاب الدخول المحدودة والعاطلين عن العمل)، وأضعف الإيمان، الإفصاح للرأي العام عن دراسات تتم لإعادة توزيع الدعم وإيصاله لمستحقيه الحقيقيين مستقبلاً.
نعم، لا بدّ من تبريرات تخرج بها الجهات الحكومية المعنية بالدعم تظهر من خلالها وبالأرقام ما يسهم به رفع الدعم من تقليص للخسائر، وأن الوفر الناتج عنه ضروري جداً في مواجهة المتطلبات الهائلة لهذه الأزمة، وما هي إمكانيات الحكومة في تعويض المتضررين، ومتى يمكنها البدء بالتعويض؟ هي جملة من التوضيحات مطلوبة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، ولمنع المصطافين في المياه العكرة، من التحريض؟!.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com