اقتصاد

استقرار مهمّ؟!

استقرار سعر الصرف في السوقين النظامية والسوداء هو أهم إنجاز يحسب للمصرف المركزي خلال العام الجاري، غاية طالما طالب بها الجميع منذ بدء الأزمة وقد أفلح “المركزي” في أكثر الأحايين في تحقيق هذا الاستقرار، وخرجت عن سيطرته تداولات “فوركس” -تمت خلف الكواليس- في فترات متقطعة، وأدّى ما أداه من تضخم في أسعار السلع ومضاربات ساخنة على العملات بين الفينة والأخرى.
الأكثر أهمية أن يحافظ المصرف على هذا الثبات لتعزيز الثقة بالليرة السورية وسدّ الذرائع على تجار بضائع مهرة في الصيد بمياه سعر الصرف كلما “تعكّرت” مياهه، وعلى مضاربين بالعملات أكثر حذاقة؟!، إضافة إلى أن المحافظة على سعر صرف عند حدود معيّنة يخفّض درجة المخاطرة في قطاعات أخرى لا تقل أهمية عن السالفة الذكر، مثل بيع وشراء العقارات حيث يشجّع “الاستقرار” مالكي المساكن على بيع عقاراتهم بأسعار مخفّضة، و”يقوّي قلب” القائمين على مصارفنا على منح تسهيلات ائتمانية لتمويل الواردات وقروض عقارية وشخصية، ورجال الأعمال على إقامة المشاريع.. مع تلاشي تخوّفاتهم من تراجع أو ارتفاع كبير قد يطرأ على الدولار أو الليرة، وثمّة منعكسات إيجابية عديدة لاستقرار سعر الصرف يصعب حصرها في زاوية..
وهناك مؤشرات مبشّرة تؤكد هذا الاستقرار لمدة زمنية طويلة، أهمها على الإطلاق شبه انعدام الطلب على الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي إلى أدنى مستوى له منذ عام تقريباً، بالتزامن مع زيادة المعروض في السوق من العملتين وملاحظة سعي ممتلكيهما إلى إبدالهما بالليرة السورية.
مكاتب شركات الصرافة بدت ولأول مرة خالية من اللاهثين وراء العملة الخضراء، إلا من الزبائن الذين يستقبلون حوالاتهم الخارجية دون أي اعتراض على قبضها بـ”الليرة”، طبعاً نتيجة استقرار سعر صرف العملات الأجنبية، وكل ما يؤخذ على “المركزي” في هذا السياق تراجع أدائه الرقابي على الصيارفة الرسميين، وما كشف ذلك تفاوت أسعار صرف الدولار حيث لوحظ في نشرات “الشركات” وجود فارق يصل إلى ما بين ليرة وليرتين في صرف الدولار الواحد، على سبيل المثال، والأغرب أن الكثير من الصيارفة أكدوا عدم مساءلة “المركزي” لهم معتقدين أنها “مسموحة” ولم تدخل ضمن باب الممنوع حتى الآن؟! رغم أن المتعارف عليه -منذ الترخيص لصيارفة نظاميين– أن جميعها دون استثناء يعمل على نشرة موحّدة تصدر يومياً من المصرف المركزي، ما يثير القلق أن يتمادى بعض هؤلاء ويفتحوا الباب لسوق سوداء داخل مكاتبهم تحرّض المضاربين بالعملات على البروز من جديد كفرصة لتنشيط سوقهم الراكد.
اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تدعم هذا الاستقرار وتسهم في تحقيق تحسّن ملموس على سعر الصرف، يعدّ خطوة مطلوبة من القائمين على السياستين المالية والنقدية ويأتي في إطار الحفاظ على مقوّمات الاقتصاد الوطني وأبرزها الليرة السورية.

سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com