نيشان على صدر السماء
لن أبدأ هذا المقال بالتعريف عنه ولن أدرج نبذة عن تاريخه في خدمة هذه الأرض الطيبة لأنه الدكتور علي القيم الإنسان السوري ابن أرض النور الذي يُعرِّفُ ولا يُعرّفُ عليه. أمضى علي القيم سنواتٍ طوال من حياته يكتب عن أخوته وزملائه في الفكر والأدب، وهي سِمةٌ حِكرٌ على النفوس الكبيرة، فهي تنكر الأنا وتمجد منابع الفكر التي تفيض تسقي الظمآن إلى المعرفة والحقيقة، ومن الكتب التي أعدَّ ووثق لها (صميم الشريف مشوار عُمرٍ بين الأدب والموسيقا).. و(قمر كيلاني سفر براءةٍ.. ونقاءُ فجر) و(صيّاح الجهيم.. مُبدعاً لبراعم أيامنا). أما مقالاته المتنوعة فتكشف أنه البحر الذي صبت فيه أنهار المعرفة والثقافة، فهو تارةً يحدثنا عن موليير وكيف أبهج العالم بفنه الجميل، وتارةً أخرى يخبرنا عن أنطون مقدسي، وكأني به لا يغفل عن روحٍ مبدعة. ثم تراه ينشر ثقافة احترام الذات القائمة على احترام الوقت في مقال – الوقت كالسيف– لا يسعني إدراج عناوين مقالاته في مقال واحد فهو كالبحر لا تُحصى لآلئه ومن ميزات مقالاته أن دفء الكلمة وشعاع المحبة والإجلال يفيض من عباراته سواء كان المبدع الذي يتناوله المقال معاصراً أم في الغابرين.. وكأني بعلي القيّم يتصل بالروح الكلي لجنسنا البشري فيشخص له ما انقضى فإذا به يتشبعَّ بالتجربة الإنسانية التي تقادم عليها الزمن، ويسكبها على أوراقه مع بعض روحه المرهفة عِلماً وبياناً لكل عينٍ اتخذت الروح أجفانها شفتين تنهل من بينهما ما تسمو به، إنكَّ لعليٌّ يا علي، وقيِّمٌ ما قطفته لنا من بساتين الزمان ترنو الخير لإنسان هذه الأرض.. الخير الذي لا يقوم إلا بفتح عينه الثالثة – عين البصيرة- ليرى الأشياء وما وراء الأشياء، وليدرك بانوراما الحياة.. لم تخل جلسةٍ لي معك من نظرة حزنٍ ذابت لها عيناك وأنت تذكر أثراً حضارياً دمرته يدُ الإرهاب، أو بَشراً من مبدعي هذا الأرض الطيبة استشهد أو غاب.. أنت حين تجسدت الأصالة على هيئة رجل علمت منك أيها الوفي أنه في هذه الأوقات العصيبة التي تمرُّ بها سورية الحبيبة باتت الغصّة أكبر من الكلمة، حتى في صمتك كنت تمنحني علماً وكانت مشاهدتك وأنت تغلق شفتيك خشية أن تمزق -الآه- عِباراتك، كانت مشاهدتك وأنت تطلق العنان لنظراتك تمزق جدار الزمان وحجاب المكان، لتعود ذلك الرجل أسود الشعر الدارس المتأمل لشواهد الحضارة من أعمدةٍ وقناطر وأضرحةٍ ومآذن عتيقة وقلاعٍ مشيدة، لتعود إلى كلمةٍ عذبة من صديقٍ صاحب موهبةٍ فريدة، لتعود وأنت القافية والروي إن كانت ذاكرة الوطن قصيدة، كانت مُشاهدتك تشعرني بحرارة الدموع التي تذرفها روحك فتذوب لها كلماتك، كنت بصمتك وجلستك كتمثالٍ نحت من جليد الألم تكاد تحطمه خطاطيف الأسى تعلمني إلى أي مدى يمكن أن يتعلق الإنسان بالأرض.. لا أدري ماذا أقول فكلماتي جدُّ ذاوياتٍ وأنا أشهد فصول وجدانك الفياض ولست سوى شابٍ لم يتمَّ الثلاثين وكان الأولى بي أن أترك الحديث عنك إلى من هم أقدر مني وأعلمُ بشخصك الكريم..وهل لصَدفةٍ أن تنشد نشيد البحر كما هو؟! لكن عذري إليكَ أن الكتابة عندي متصلة بالتجربة، وكلِّ لقاءٍ بيننا لم يكن لي محض لقاء بكل كان لي عظيم التجربة. وأختم متمنياً لك طول العمر ودوام الصحة ولتعلم (أن وطن الإنسان ليس أرضاً وتراب فحسب بل وطن الإنسان إنسانٌ وطن.. إنسانٌ لا تحيط بإنسانيته أوصاف).
سامر منصور