ثقافة

“بعد العرض” إدارة الحوار الثقافي فن ومهارة وحرفية.. وجمال

“بعد العرض”، البرنامج الذي تبثه قناة سورية دراما الفضائية، وتقدمه الزميلة الإعلامية “أنسام السيد”، حيث يقدم البرنامج مناقشة نقدية للعديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تعرض على قناة الدراما السورية، القديمة منها، والحديثة.
تقوم فكرة البرنامج على دعوة مجموعة من الضيوف لمناقشة مسلسل ما، من هؤلاء الضيوف بعض العاملين في المسلسل، موضوع البحث والنقد في الحلقة، سواء كان ممثلاً، أو مخرجاً، ومن الضيوف أيضاً صحفي، أو ناقد متابع للشأن الدرامي بشكل خاص.
في الحقيقة “بعد العرض” من البرامج المهمة التي قدمتها، وتقدمها قناة سورية دراما، (المتابعة محلياً وعربياً بشكل كبير)، كمنبر متجدد لنقاش حال الدراما السورية، مع العديد من المختصين بهذا الحقل، الأمر الذي يعني بالضرورة أن مناقشة، وتفنيد أي مسلسل سوري، من باب مقاربة حالها، هو بمثابة تسليط ضوء قوي عليها بغية فهمها، والعمل على تحسينها.
الزميلة الإعلامية المتألقة “أنسام السيد” من المذيعات السوريات اللواتي لهن حضور طيب في المزاج العام للمشاهد بأنواعه: “مختص– مهتم– متابع– متفرج”، كما أنها ذات حضور بهي ومميز على الشاشة، تحسن الشعور بنبض الكاميرا، والجمهور، إلا أن طبيعة “بعد العرض”، تحتاج لمدير حوار متخصص في النقد الفني بأنواعه، قادر على إغناء البرنامج، إن كان بآرائه الشخصية المبنية على دراسات قام بها عن هذا الفن، أو بطريقة اختياره للمتحاورين في العمل، وتوجيهه لدفة هذه الساعة التلفزيونية الحوارية، وأيضاً لديه خطة مدروسة الخطوات للخوض بشأن يختلف الكثيرون حوله، بين من يرى أن واقع الدراما السورية تراجع تراجعاً نوعياً كبيراً، وبين من يرى بأن المتابعة الجماهيرية للعديد من المسلسلات السورية دليل نجاح درامانا المحلية، حتى لو لم تحمل بعض الأعمال أدنى مقومات العمل الدرامي، ومن الضروري جداً لمقدم البرنامج أو مدير حواره أن يشاهد المسلسل موضوع النقاش، وهذا ما لم يحدث مع “السيد” عندما ناقشت “تحت سقف العالم”، وأخبرت مؤلفه “حسن م يوسف” في إحدى الحلقات بأنها لم تتابع العمل مثلاً.
إذاً.. “سورية دراما” تناقش في “بعد العرض” شأناً وطنياً وليس فنياً فقط، فالدراما السورية، كما نعلم، أصبحت من الصناعات الوطنية الثقيلة، ومن المهم وجود برنامج كالبرنامج المذكور، لأنه عندما يُقدم بمهنية واحترافية من قبل طاقمه ككل، فإنه سيعمل على مناقشة حال درامانا المحلية بموضوعية، وتحليل أين أصابت، وأين أخطأت، أين تركت أثراً بقيمة مضافة، وأين تخلت حتى عن المعايير الأخلاقية، ما يؤدي بالضرورة إلى السعي لتصحيح العديد من مساراتها، وخصوصاً في تلك الأعمال التي تناقش العديد من القضايا التي أهملتها الصحافة، فذهبت إلى فن آخر كالدراما، من تلك المواضيع الفساد مثلاً، وغيره من القضايا الخطيرة الأخرى، إلا أن الزميلة “أنسام السيد” تبدو هي الغريبة الوحيدة عن الموضوع الذي يضعه “بعد العرض” على طاولة النقاش، كيف لا وهي تدير البرنامج بطريقة وكأنها في جلسة قهوة صباحية، الضيوف متروكون على سجيتهم لقول ما يريدون، وكأنّهم في مقهى، أو زيارة عائلية، دون أن يلفت اهتمام “السيد” أي رأي نقدي هام طرحه أحد الحضور، ويستحق الوقوف عنده باعتبار هذا الرأي أو تلك الملاحظة تحتاج ربما للخوض في مفاصلها الإشكالية بتعمق أكثر، كما أن هناك العديد من الملاحظات المهنية على أداء “السيد” سيلاحظها المتفرجون بكافة شرائحهم، كما أوردناها سابقاً، ومنها عدم مراعاة السيدة، مقدمة البرنامج، أنّه برنامج تلفزيوني يشاهده الملايين بغرض الاطلاع على الدراما السورية، وبهدف تحسينها ونقدها نقداً يُساعد على تقييمها، أو تصويبها، أو يقدم النصح للذين اشتغلوا فيها من أجل تحسينها، والعمل على تطويرها.
كما قلت فإن الإعلامية “السيد” لها حضور مميز وبهي على الشاشة، وهي حسنة الاعتناء بانتقاء ملابسها، وتسريحة شعرها، وهذان شرطان ضروريان لمذيعة برنامج يشاهده ملايين السوريين والعرب، لكنّهما لا يكفيان، فالبرنامج فنّي- درامي، أي ثقافي بالدرجة الأولى، هذا ما لا نلمسه في “بعد العرض” بسبب عدم تمكّن المذيعة ثقافيّاً من تصويب أسئلة المحاججة، الأمر الذي نلحظه من أسئلتها غير المنتقاة بدراية وعناية، عدا عن طريقة توجيهها للأسئلة بطريقة عفوية فيها ما فيها من الاستسهال، بالإضافة أيضاً إلى أنها –أي المذيعة- لا تُلقي بالاً للأجوبة، وإذا ما كان يجب توجيه الحوار أو الوقوف عند نقطة مهمّة يطرحها أحد الحضور، ما يظهر الارتجال، والعفوية، وعدم التخطيط بشكل واضح، وهذا، وإن كان يُلائم برامج خفيفة شعبيّة من نوعيّة برامج الطبخ، أو الرياضة، أو المكياج، أو الأبراج، غير أن ظهورها بجانب كلمة كبيرة مثل “سورية دراما” يجب أن يكون مدروساً، وحسن التحضير من قبل، وذلك ما لا يبدو نهائيّاً من خلال المعلومات شبه المعدومة التي يتلقاها الجمهور التلفزيوني عند كل آخر حلقة، والذي يُظهر البرنامج وكأنه استعراض لحضور الضيوف فقط، فلا يزيد شيئاً عن الصور الفوتوغرافية، لأن ما نراه فارغ تماماً من المضمون، ويسبب إشكالية في التلقي، خصوصاً أن مقدمة البرنامج لا تقوم بالعمل على اختيار أي سؤال متقن يصعّد من سوية الحوار، وينتقل به نحو مستويات تناقش جوانب مهمة في الدراما السورية، كالتصوير والموسيقا والأزياء، وتلك المحاور، على أهميتها، يبدو حضورها في “بعد العرض” حضوراً خجولاً جداً.
سنلاحظ أيضاً أن الزميلة “السيد” تتعامل مع الضيوف وكأنها ضيفة رابعة، وليست مديرة للحوار، وإن حاولت أحياناً أن تتدخل في نقطة خلافية ما بين وجهات النظر، فإن تدخلها يجيء مغرداً خارج سرب السياق العام للحلقة، وهذا ما بدا جلياً في العديد من حلقات البرنامج، ومنها الحلقة التي تناولت مسلسل “سن الغزال” لمخرجته الشابة “سارة الزير” ومؤلفه “فهد مرعي”، بعد أن استضافتهما قناة “سورية دراما”، بالإضافة للناقد الفني “سعيد هلال الشريف”، وعلى الهاتف الفنان “جرجس جبارة” الذي وجد نفسه محرجاً أمام سؤال مقدمة البرنامج: ألم تخش باسمك الفني الكبير من هذه المشاركة في عمل كـ “سن الغزال”؟ عدا عن الإحراج الذي أصاب كلاً من مرعي والزير، كيف لا والزميلة “السيد” عزت أسباب وقوف العمل على قدميه إلى مشاركة “جبارة” فيه، باستخفاف غريب بجهد أصحاب الشأن الموجودين ضيوفاً في استوديو القناة التي تعمل فيها الزميلة “السيد”.
سألت الزميلة “أنسام”، معاتبة الفنان “جبارة”: كيف تقبل أن تكون مديراً لمخبر طبي، يجري ما يجري فيه من فساد ووو؟ وهذا سؤال قد يسأله واحد من المعجبين بالفنان “جرجس” كممثل، لا مديرة الحوار مثلاً أيضاً!.
قناة سورية دراما اليوم لا تنقل فقط نبض الدراما السورية، إنها تنقل المزاج الحضاري لسورية، إن كان بالأعمال التي تعرضها، أو بالبرامج الفنية التي تقدمها، لذا علينا أن نعمل على نقل هذا النبض بحرفية، ومهارة لا تقلان أبداً عن الحرفية، والمهارة التي يتمتع بهما الجندي في ميدان المعركة أيضاً.
تمام علي بركات