ثروتنا المائية على محكّ جدّية صانع القرار… وديمومتها مرتبطة بالإدارة الرشيدة بالدرجة الأولى
لا نريد بث رسائل تشاؤمية، وإنما نبغي تذكير المواطن قبل المسؤول، بالوضع المائي الخطير في سورية، عسى أن يرتدع الأول ذاتياً ويكفّ عن تبذير هذه الثروة المرتبطة بشكل وثيق باستمرارية حياته وحياة أبنائه وأحفاده من جهة، وأن يتحمل الثاني مسؤولياته ويطّلع على خطورة الموقف فيتخذ الإجراءات والآليات الكفيلة بالترشيد وإن كانت صارمة من جهة ثانية.
لمن لا يعرف نبيّن –ونعتقد أنهم قلة- أن سورية تعتبر من البلدان الجافة وشبه الجافة وتتصف بندرة الموارد المائية عموماً، وبعدم تجانس توزعها وعدم انسجامها مع التوزع الإقليمي للسكان، ما يعرّضها لضغوط كبيرة كمية ونوعية، ومما زاد في حدّة هذه الضغوط تزايد معدلات النمو السكاني، والتطور الاقتصادي والاجتماعي السريع الذي شهدته سورية في العقود الأخيرة، وما رافق ذلك من أنشطة بشرية أدّت إلى الكثير من التغيّرات في استعمالات الأراضي، الأمر الذي نجم عنه ازدياد الطلب على المياه بحدود فاقت في بعض الأماكن حجم الموارد المتاحة ما أدّى إلى ظهور نقص في إمدادات المياه.
للتدقيق والتمحيص نبيّن…
أغلب الظن أن ما سنورده من أرقام تلخص واقع ثروتنا المائية لا يخفى على أصحاب القرار، إذ تبيّن هذه الأرقام وفقاً لبعض المصادر الرسمية أن الزراعة تساهم بحوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010، وتشكل الأراضي الزراعية المروية نحو (1.4) مليون هكتار (إحصائية 2011)، أي بنسبة (24.5%) من الأراضي المستثمرة و(30.5%) من الأراضي المزروعة فعلاً، و(7.6%) من مجمل مساحة الأراضي السورية، أغلبها في المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سورية، وبالمقابل تشكل الأراضي الزراعية البعلية نحو (3.2) ملايين هكتار تقريباً، أي بنسبة (55.6%) من الأراضي المستثمرة و(69.5%) من الأراضي المزروعة فعلاً، ونحو (17.2%) من مجمل مساحة الأراضي السورية، وتعتمد استمرارية وديمومة النشاطات الزراعية إلى حد كبير على توفر الموارد المائية.
ويصل إجمالي الموارد المائية المتجدّدة في سورية بحدها الأعلى إلى (18.209) مليار م3/السنة وسطياً، ويقدر وسطي كمية الموارد المائية المتجدّدة والمتاحة للاستخدام بنحو (16) مليار م3/السنة، أما معدل نصيب الفرد في سورية من المياه؛ فيتراوح حالياً بين 700 و900 م3/السنة، وهو دون حدّ العجز المائي العالمي المقدّر بـ(1000م3/سنة)، وهذا المعدل في طريقه إلى التناقص مع تزايد عدد السكان، فالموارد المائية المتاحة لدينا قد صنّفت سورية في مجموعة البلاد الفقيرة بالماء بدءاً من عام (2000)، مع الإشارة إلى أن معظم الخبراء أكدوا أنه لا يزال مقبولاً مقارنة مع بعض الدول التي ينخفض فيها هذا المعدل إلى 250م3، وبالتالي يمكن الحفاظ على هذا المعدل بل ربما يمكن تحسينه في حال تم اعتماد آليات وبرامج كفيلة للوصول إلى إدارة رشيدة لاستخدام المياه.
قبل أن تقع الفأس بالرأس
رغم أن الوضع المائي في سورية حالياً ليس كما يجب، لكن يمكن استدراكه والحفاظ على الحدّ المطلوب مبدئياً، وذلك من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه الحالي والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، وخاصة أننا بتنا على أعتاب إعمار سورية، وبالتالي لابد من أخذ قضية الأمن المائي في الحسبان، ففي الفترة الماضية كانت سياسة الدولة تعمل على تنمية المصادر المائية عبر بناء بنية تحتية كبيرة (سدود – قنوات – محطات تنقية..الخ) بهدف تزويد مستخدمي المياه، أما الآن فعلى الدولة أن تنتقل إلى إدارة الطلب، أي بمعنى كيفية إدارة المياه المتوافرة لدينا بأفضل صورة ممكنة، فلم يعُد يخفى على أحد أن التغيرات المناخية تشكل تحدياً كبيراً للوضع المائي السوري، ما يستوجب اتخاذ إجراءات تتأقلم معها بشكل استراتيجي، وإلا فستكون لدينا صورة مظلمة للجفاف والعجز المائي في ظل الازدياد السكاني والمتطلبات الهائلة للتنمية الاقتصادية، وهذا يوجب أن تكون لدينا إدارة رشيدة للمياه أكثر من أي دولة أخرى، فألمانيا –على سبيل المثال- لديها إدارة رشيدة للمياه رغم أنها بلد غير جاف، إضافة إلى ضرورة وجود سياسة سكانية جيدة، فليس من المعقول أن يكون لدى سورية زيادة سكانية تبلغ 2.4% وهي من أعلى الزيادات في العالم حتى الآن.
لمن يعتبر فقط
يؤكد العلماء أن المياه المتوافرة على سطح الأرض تكفي –وللأبد- البشرية جمعاء، ولاسيما أن كمية الأمطار التي تهطل على الأرض سنوياً هي ثابتة، ولكن توزيعها يختلف من إقليم إلى آخر، غير أن ما يعانيه العالم من تناقص هذه الثروة التي لا بديل عنها على الإطلاق هو من صنع البشر بقصد أو من غير بقصد، إما من خلال الإسراف والتبذير غير المبرر، أو باحتكارها عبر إقامة السدود بطريقة تحرم من له حق فيها، وإذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فسنشهد أسوأ سيناريوهات الجفاف.
دمشق – حسن النابلسي