لك يا منازل
ما هي تلك العلاقة التي تربطنا بالكتاب؟ لماذا لم تقدر كل الوسائل المعرفية باختلاف أنواعها “صفحات التواصل الاجتماعي، المواقع الالكترونية بمكتباتها المدمجة وغيرها” رغم كل الجهود المصروفة عليها لتقدم لنا أي كتاب نريده، بشكله المعلب الجديد، دون أي عناء يذكر، اللهم ما عدا خدمة “النت” السيئة غالباً، أن تأخذ القارئ الحقيقي إلى عوالمها المفتوحة على فضاءات لا حصر لها؟ ربما أسأل نفسي هذا السؤال بطريقة أخرى: لماذا يمتد بي الحنين دائماً إلى ذات الكتاب الذي ابتعته ذات يوم، ولماذا لا أستطيع أن أقرأ ما استولى علي في لحظة معينة، من خارج الأسوار القديمة للكتاب ذاته؟
العلاقة التي تجمعني شخصياً بالكتاب تحكمه ككل علاقاتنا نحن الشرقيين بقلوبنا، العاطفة، هل تجدون ذلك غريباً؟! الغريب أنني أجد أي علاقة أخرى غير العلاقة العاطفية الشخصية التي ذكرتها هي الغريبة، هل أستطيع مثلاً أن أتنازل هكذا عن رواية الأخوة كارمازوف للرائع “ديستويفسكي”، تلك التي دفعت ثمنها ذهابات كثيرة إلى البيت على قصب أقدامي، وأنا أقبض على فرح على شكل كتاب مخبأ كالسر في حقيبتي الجلدية الصغيرة، لصالح ورق الكتروني لامع جداً لا يحمل بين طياته أي روح ورائحة تعيدني لتلك اللحظة بالتحديد! قطعاً لا، حسناً هل أستطيع إذاً ألا أعود لأقرأ أبو النواس من ديوان شعره الكامل، ذاك الذي أهديتني إياه وعينيك تنظر إلي كما لو أنني مخلص العالم من الأشرار، لا أدري حقاً إن قرأت أشعار نبي الشعر العربي الجديد هذا، من أي مورد آخر إن كنت سأشعر به كما شعرت بكلماته التي نطقتها وأنت تقبضين على يدي وكأنك تخافين أن تضيعي في أزقة باب توما.
سأبدل أشياء كثيرة في حياتي لم أعد أشعر بحاجتي إليها، قد يكون أحدها عواطف مهترئة لم تعد تعني لي إلا الحزن الآن، أما ما تخبئه مكتبتي الصغيرة من ماض لا أعرف نفسي بدونه، حتماً لن أقدر وأنت تعرفين ذلك جيداً، وربما لهذا السبب بالتحديد، لأناملك حصة الأسد في ذكرياتي وبين صفحات الكتب المطمئنة لرائحتك فيها وعليها، وهي تنتظر أن أعيد لها صباحاتها، لتعبق بالفرح والعاطفة، كما أنتظر أنا تماماً.
تمام علي بركات