المراهقة.. حالة بناء ومواجهة وإثبات وجود
مَن منّا لم يمرَّ بحالة المراهقة، نتساءل: كيف تجاوزنا هذه الحالة، كيف تعامل معنا الأهل، وكيف تعاملنا معهم، وهل يمتلك الآباء الطرق الصحيحة للتعامل مع أبنائهم، وما هي الطرق الجيدة للتعامل مع أبنائنا بحيث نمد لهم يد العون ونخفف عنهم الضغوطات النفسيَّة؟..
هذه أهم التساؤلات التي دارت في جلسة الدعم النفسي التي أقيمت في النقطة الثقافيَّة في مدينة حمص في محارب الأحمد بإشراف مديرة النقطة عفاف الخليل وبسام شعبان محاوراً، حيث قال: قد يدهش المرء عندما يعلم أن فترة المراهقة تبدأ في السنة الثالثة من عمر الطفولة عندما تبدأ مرحلة الفطام، فهذا الانفصال يولِّد الغضب لدى الطفل، فهو أصبح مستقلاً ولا يوجد حلٌّ لذلك سوى التعلم وخاصة عن طريق الصورة، فالطفل عندما يلجأ إلى فراشه، قد نحسبه نائماً، ولكنه في الحقيقة يخضع نفسه إلى حالة من التفكير والفك والتحليل، فالأولاد يبنون في دواخلهم أهراماً متراكمة، وما علينا سوى إتاحة المجال لنموّهم بهدوء.
هناك مراحل أخرى للمراهقة تبدأ من السنة الرابعة عشرة حتى السادسة عشرة، ومن السادسة عشرة حتى الثامنة عشرة، ومن الثامنة عشرة حتى الحادية والعشرين.
وعن الحالات التي يمرُّ بها المراهق أجاب الأستاذ بسام: ظهور التساؤلات التي يطرحها المراهق على نفسه وأهمها: من أنا، ولماذا أنا موجود، فهو يبحث عن الأنا في أعماق ذاته، أنا المفقودة.
المراهق كبر، ولكن الأهل لم يستطيعوا التعامل معه بشكل جيِّد، فهم ربما لا يمتلكون الطرق الصحيحة التي تؤهلهم للتعامل السليم مع أبنائهم، وهنا يتعرَّض المراهق لحالة من القهر السلبي فهو يعيش حالة فيزيولوجيَّة متغيَّرة قد طرأت على جسده، فربما يتصرَّف بعصبيَّة، أو قد يميل إلى التصرفات غير المتوازنة، وهناك تفاوت بين حالة أخرى، ويلعب الأهل الدور الأكبر في التخفيف من حدة المراهقة أو ارتفاع مستوى توترها وهنا تكمن حساسيَّة التعامل معه.
أما كيف يمكننا التعامل الصحيح مع المراهق، فيضيف شعبان: إن كلمة لا التي يتعرَّض لها المراهق في كل يوم هي من تسبب له الإزعاج، وخاصة عندما تتردد أمامه في كل أمر يريده فيقابل بالرفض المستمر والتجاهل لرغباته، دون الأخذ بعين الاعتبار الأثر الذي يتركه هذا الرفض على شخصيَّة المراهق، فهذا ما يؤدي به إلى التمرُّد، وكلنا نلاحظ في دفاتر أبنائنا وخزائنهم وعلى جدران غرفهم العديد من الصور الملصقة، فعلى أي شيء يدلُّ هذا؟ سأجيبكم بوضوح: إنه يدل على حبِّه للبحث عن الشخص الأمثل، فربما لا يجده في البيت بل يجده في صور الفنانين والشخصيات المشهورة أكثر مما يجده فيمن حوله.
حالة أخرى يمكن الحديث عنها حول كيفيَّة التعامل مع المراهقين ألا وهي النظر إلى إيجابيَّات أبنائنا المراهقين وتعزيزها وعدم تجاهلها أو إغفالها، والتنبيه إلى السلبيات بطرق لطيفة بعيدة عن العنف والقسوة، وعلينا إفهامهم بأن هناك خطاً أحمر يجب عليهم عدم تجاوزه ألا وهو الخطيئة. والمراهق لا يدري أي تغيير فيزيولوجي قد حلَّ على جسده، وإلى جانب هذا التغيير ألا وهو البلوغ تنشأ طاقة، وأنجع طريقة لتفريغها هي الطريقة الحركيَّة البنَّاءة.
وختم المحاضر الندوة بالقول: اسمحوا لي أن أشبه بحسي الأنثوي حالة المراهق، فهي تشبه من وجهة نظري نبتة معروفة اسمها (الخجولة) فهي شديدة الحساسيَّة، بمجرَّد أن تلمسها هبَّات النسيم تضمُّ أوراقها الناعمة على نفسها مكونة شكلاً بيضويَّاً صغيراً، وما إن تذهب تلك النسمات حتى تعود الأوراق إلى الانفتاح والانبساط من جديد، هذا ما يطرأ على حالة المراهق الذي يتعرض إلى حالات الصد الموجَّهة إليه باستمرار، فكم هو بحاجة إلى الفرص الهامة ليأخذ قسطاً كافياً من الراحة، ومن الاهتمام الموجَّه بشكل صحيح وبنَّاء كي تنمو في داخله نفس طيِّبة مرتاحة.
سريعة سليم حديد