ثقافةصحيفة البعث

“كوجيتو” قلعة حلب

حلب – غالية خوجة

لا يعرف أهل حلب الحياة دون اطمئنانهم على القلعة التي لا تستقبل زوارها حالياً لأنها بحاجة إلى إسعافات سريعة نتيجة ما احتملته من زلزال وحرب، وكم هو محزن أن يرى عشاقها إشارة ممنوع الدخول على باب درجها الأساسي، فيخبئون هذه الآلام في قلوبهم مع همومهم، ويمضون أيامهم على أمل أن تستقبلهم قلعة حلب قريباً، فيتجولون حول سورها الخارجي، وكلما التقطوا الصور معها يشعرون بأنها المرة الأولى التي تكون القلعة خلفية لصورهم الجميلة.

حول القلعة التي تئنّ من الألم مع أهل سورية، يجد الزائر حياة كاملة لا تتوقف نهاراً وليلاً، ليس لأن المطاعم والكافتيريات منتشرة هنا، ولا لأن الحرف اليدوية التراثية تجذب الجميع بأشكالها وتنوعاتها بين إكسسوارات وفخاريات وأزياء ورموز موروثة، بل لأن الحلبية صاغوا “كوجيتو” الفيلسوف ديكارت بطريقتهم: “القلعة موجودة إذاً أنا موجود”.

ولا تتوقف زيارات الأهالي للقلعة ومحيطها على الترفيه والرياضة للكبار واللعب للصغار، بل تشمل التأمل والطمأنينة والذكريات والتاريخ وتعلّم الصبر والنصر، والتخلّص من الطاقة السلبية، وممارسة الهوايات الثقافية والفنية، مثل التصوير، والموسيقا عزفاً وغناءً، خصوصاً، أثناء الزيارات الطلابية، وممارسة القراءة في الهواء الطلق، مع النظر بين الحين والآخر إلى القلعة والسماء، وهذا ما كانت تفعله إحدى القارئات اللواتي تعرّفتُ إليهن، واسمها لين صلاح الدين طالبة كلية الاقتصاد، لتجيبني عن سر انجذابها للقلعة: “لا أعرف لماذا أشعر بأن حلب كلها في القلعة وهي تمنحنا جواً عاماً مريحاً للنفس، مساعداً على القراءة أكثر”.

وقريباً منا، كانت فتاتان تحملان كتباً ودفاتر، وتتحدثان باللغة العربية الفصحى، وهذا مشهد ملفت أيضاً جعلني استوقفهما بتحية عربية، وأسألهما عن الفصحى والقلعة، لتقول لي إحداهما: “اسمي عليا المرعي، وأشعر أن القلعة أجمل مكان في العالم، ولي ذكريات فيها ومعها، وكم أتمنى لو كان بيتنا داخل القلعة”.

واسترسلت: أدرس لأنني أحبّ الإعلام، وأتمنى أن أكون مذيعة أخبار في التلفزيون العربي السوري، كما أحبّ الشعر، وتحديداً قصائد نزار قباني، وأتخيل أن القلعة محبوبته في شعره.

بدورها، أجابتني صديقتها، ريان أسود: “القلعة هي الحياة والعلم ولغتنا العربية والشموخ الدائم، وأحلم أن أكون محامية أو قاضية، لأدافع عن المظلومات والمظلومين، وأتابع المسلسلات والأفلام الخاصة بإحقاق الحق، لأن العدالة وتطبيق القانون جناحان للتوازن، ويشبهان هذه القلعة، كما أني أحبّ قصص الأطفال وأفلام الكرتون ذات المواضيع المفيدة، مثل سندريلا وتوم وجيري وسنان الذي يغني: ما أحلى أن نعيش في حب وسلام”.