واشـنطـن تنـطـلق بمـشـروع تـقــســيـم الــعـراق ومـستشاروها يديرون الـمخـطط على الأرض
لايختلف اثنان على أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بالتعاون مع أجهزة مخابرات عالمية منها البريطانية والفرنسية، وإقليمية كالمخابرات الأردنية والسعودية والتركية، أشرفت على تشكيل تنظيم (داعش) أو ما يسمى دولة الإسلام في العراق والشام، بغض النظر عما إذا كان له جذور أو خلايا إرهابية نائمة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث عملت مجتمعة على تسليحه وتدريبه في كل من الأردن وتركيا، بعد أن أدرك هؤلاء أن العصابات الإرهابية على اختلاف مسمياتها التي استخدموها في تدمير الدولة السورية وإسقاطها قد فشلت في تحقيق الهدف المنشود، فما كان منهم إلّا أن عملوا على تشكيل “داعش” التنظيم الجديد لاستكمال المشروع في المنطقة ولكن هذه المرة من البوابة العراقية، وذلك لأن الحكومة العراقية منذ بداية الأزمة في سورية اتخذت موقفاً إيجابياً يدعو إلى حل سياسي للأزمة بعيداً عن التدخل الخارجي، فشكّل هذا الموقف الصلب سنداً قوياً للدولة السورية في حربها على الإرهاب، لذلك كان لابد من التفكير بطريقة تؤدّي إلى تحجيم الدور العراقي، فلم يكن هناك بد من إشغاله بنفسه من خلال تقديم كل أشكال الدعم لتنظيم (داعش) الإرهابي.
وقد كشفت مجموعة من التقارير الاستخباراتية عن قيام الإدارة الأمريكية بتدريب جماعات إرهابية على الأراضي الأردنية والتركية بتمويل سعودي، وكانت الإدارة الأمريكية تضع ذلك تحت بند تدريب “المعارضة السورية”، حيث راحت بين الفينة والأخرى تعلن عن تقديم مساعدات “غير فتاكة” لهذه المعارضة، وهي في حقيقة الأمر تجهّز هذا التنظيم وتعدّه على شكل “جيش” وتقوم بإرسال الآليات والعتاد العسكري الثقيل إلى كل من تركيا والأردن لمصلحة هذا التنظيم الذي أعلن قبل بضعة أشهر عن اسمه البراق” دولة الإسلام في العراق والشام” حتى يتمكن من جمع تأييد له في المنطقة الحدودية بين سورية والعراق.
وهنا نعود إلى خط سير هذا التنظيم الذي بدأ جنونه في العراق باحتلال الموصل، فأعلنت تركيا عن احتجازه موظفي قنصليتها، في الوقت الذي أكدت فيه مجموعة من التقارير أن أبا بكر البغدادي ذاته انطلق لاحتلال الموصل من القنصلية التركية.
وكذلك تجنّب هذا التنظيم منذ احتلاله شمال غرب العراق التعرّض لأراضي إقليم كردستان، ما أثار مجموعة من التساؤلات ، فاضطرت الإدارة الأمريكية إلى توجيهه شكلياً إلى أراضي الإقليم والإعلان أن طائراتها قامت بقصف أرتال من سياراته على حدود الإقليم، للقول إنها باستطاعتها أن توقف زحف هذا التنظيم متى شاءت، وكل ذلك إذا وافقت الحكومة العراقية على تكريس انفصال إقليم كردستان العراق، أما إذا رفضت فستسعى إلى ترسيم حدود الإقليم عبر إرسال بعض الوحدات العسكرية إليه بدعوة حمايته تحت مسمى “مستشارين”، وستقوم تحت ذريعة حمايته أيضاً من خطر “داعش” بتقديم السلاح الثقيل والمتطوّر له خارج سلطة الحكومة المركزية في بغداد تمهيداً لتمكينه من الاستقلال، وستأمر توابعها في الغرب والمنطقة بتقديم الدعم والسلاح له بذريعة تمكينه من مواجهة “داعش” التي لم يثبت حتى الآن أنها اشتبكت مع قوات البشمركة، بل يتم الحديث مجدداً عن انسحاب البشمركة وإخلاء مواقعها لـ”داعش”، وكأن المسألة لا تتجاوز كونها إعادة انتشار وتوزيعاً لمناطق السيطرة، علماً أنه ليس هناك حتى الآن ما يشير إلى استهداف الطيران الأمريكي لـ”داعش” إلا الرواية الأمريكية والصور التي تبثها دون دليل للقول: إنها قامت بفعل ما هنا أو هناك، كما فعلت عندما ادّعت أن طائراتها تمكنت من قتل “أسامة بن لادن” في باكستان، ووزّعت هذه الرواية إلى أبواقها في العالم لبثّها وتسويقها.
ومن هنا فإن كل ما يجري الآن في شمال العراق من تهجير للمسيحيين وتطهير طائفي بحق مكوّنات معينة من الشعب العراقي، إنما مقدّمة لرسم حدود ثابتة بين إقليم كردستان في الشرق وما تسمى “دولة الإسلام في العراق والشام” في الغرب لترسيخ قيام هاتين الدويلتين أولاً، وبالتالي نصل دراماتيكياً إلى ثلاث دويلات في العراق، وبالتالي بعد وقت قريب.. إسرائيل كدولة يهودية ما يشي بأن كل ما يجري يدور حول تصفية القضية الفلسطينية.
طلال ياسر