ثقافة

سليمان العيسى وقصة الفجر الأول في الــذكــرى الأولــى لــرحــيــلــه

لقاء حميمي جميل تلون بعبق الكلمات التي حاولت أن ترسم بأريجها أبرز المحطات في حياة شاعر الطفولة سليمان العيسى في الذكرى الأولى لرحيله. هذا اللقاء الذي جمع محبو العيسى جاء ضمن نشاطات فرع دمشق  فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي-  الشعبة المركزية تحت عنوان “سليمان العيسى وقصة الفجر الأول” وشارك فيه كل من د. ملكة أبيض ود. علي القيم ود. نزار بني المرجة والإعلامية الهام سلطان وأدارت الندوة الإعلامية سلوى عباس التي تحدثت عن مكانة سورية في قلب ووجدان العيسى فكانت عشقه الأول الذي ظل يتغنى به حتى آخر لحظة في حياته لأنه آمن بها بلداً قوياً ومنيعاً على الأعداء وبالرغم من كل شيء ظل يردد أنها بخير متوسماً بشبابها الذين يذكرونه بشبابه وأيام النضال ولم ينس أنهم حرصوا على سورية الوطن وحافظوا على سيادتها حرة أبية، هذا الحلم رافقه وسكن روحه منذ اللحظة التي وعى فيها معنى أن يكون عربياً.
واتفق المشاركون في الندوة على أننا أمام قامة عظيمة حملت الهم الوطني والقومي وناضلت بالقول والفعل في سبيل تلك القناعات والبداية كانت مع د. ملكة أبيض التي  تحدثت عن رحلة العطاء المستمرة للشاعر سليمان العيسى والتي شملت الشأنين العام والخاص فقد اعتبر العيسى نفسه  دائماً  خلية في جسد ولذلك كان حاضراً خلال الثورة والأحداث الكثيرة في فلسطين والجزائر والعراق وسورية، وكان يتابع الأحداث ويتفاعل معها معتلياً المنابر بقصائده التي رفعت من تفاؤل وإيمان الجماهير نحو المستقبل. واعتبرت أبيض أن الحضور الكبير للعيسى في تلك الفترة ترك فراغاً كبيراً بعد رحيله. كما تحدثت عن حضوره في الشأن الخاص عبر حديثه الدائم عن اللواء ومشاركته في الثورة التي واجهت المؤامرة عليه. كذلك كان له حضوره المتميز في الأسرة وهذا العطاء الكبير كان دافعاً لدى أبيض كما تقول لتعيد جمع الكتب والمخطوطات التي أبدعها العيسى وإعادة تصنيفها، واعتبرت أن الانعطافة في مسيرة العيسى جاءت بعد نكسة 1967 من خلال رؤيته الجديدة التي ارتكزت على النبرة الهادئة وتوجهه إلى الخطاب العقلاني مع استخدام الكلمات البسيطة ليفهمها الجمهور، وتنوع الأعمال فلم يترك العيسى مفردة من مفردات الطبيعة والحياة إلا وتكلم عنها وركز كثيراً على التراث وأراد أن يربط الناس بتراثهم، وتعميق مفهوم الحياة لديهم، فلم يقتصر أدبه على بلد محدد، بل كتب عن دمشق وفلسطين وبيروت وغيرها من الدول العربية.
أما علاقته مع الأطفال فاتسمت بالبساطة والعفوية، حتى لُقب بشاعر الطفولة لأنه يمثل لهذه الأجيال شغف الطفولة التي يبقى ألقها وذكرياتها ماثلان في الوجدان، يستحضرونها عبر قصائد كثيرة للشاعر العيسى حفظوها عن ظهر قلب، وارتبطت في ذاكرتهم باسمه، هذا الشاعر الكبير الذي خاطب اهتمامات الأطفال في كل المجالات.

تربى على الإرث الحضاري للعمالقة
بدوره تحدث د. علي القيم عن علاقة الصداقة التي جمعته مع العيسى حيث تعرف إليه من خلال زياراته لوالده في الساحل والريف السوري للتبشير ببدايات البعث. وتوقف القيم عند مكانة المرأة في حياة العيسى معتبراً أن وجود د. أبيض معه كان لها الفضل الكبير فقد كانت رفيقته لأكثر من 60 عاماً. وأضاف القيم: تربيت على شعر العيسى في الطفولة واليفاعة وقد تميز بلغة بسيطة سهلة قريبة من الإنسان فيها شيء من الموسيقا، ولا أعتقد أن شاعراً في القرن العشرين احتل هذا الحيز بامتلاك ناصية اللغة وأول قصائده كانت في التاسعة، كيف لا وهو الذي تربى على الإرث الحضاري للعمالقة فكان مؤمناً بعظمة الإنسان السوري. مؤكداً القيم أن شعر العيسى يعكس هويته القومية مضيفاً لاحظت عندما زرت الجزائر 2007 مدى تقدير وحب الشعب الجزائري لهذا الشاعر. أما نتاج العيسى فقد كان كبيراً على حد تعبير القيم  حيث بلغ مايقارب الـ 95 كتاباً بين ديواوين وشعر وترجمات ودراسات، فقد كان دائم العطاء حتى آخر أيامه ودعانا للتمسك بحضارتنا وتاريخنا مؤكداً أننا سننتصر، وختم القيم مداخلته بالتأكيد على أن مسيرة العيسى عاصرت الكثير من الانكسارات والأفراح وقد توجه بعد نكسة 67 نحو الأطفال وكان من أبرز من كتبوا في هذا المجال كما كان له الدور الكبير في إثراء المناهج الدراسية على مستوى أقطار الوطن العربي.

جسد العروبة قولاً وفعلاً
من جهته اعتبر د. نزار بني المرجة أن اللقاء في ذكرى رحيل الشاعر سليمان العيسى ينطوي على الكثير من الوفاء لأحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي فتحدث عن وقائع يومين شارك خلالهما مع وفد من سورية للاحتفاء بالعيسى في أنطاكية والنعيرية قرية الشاعر في عام 2010 بدعوة من د. محمد قرصو رئيس رابطة الكتاب في أنطاكية ورئيس بلدية النعيرية، هذا التكريم الذي شارك فيه عدد من المثقفين السوريين منهم علي عقلة عرسان مريم خير بيك …وعدد من الكتاب الأتراك، ويصف بني المرجة الاحتفال بيوم مشهود رغم برودة الطقس والأمطار فقد امتلأت عيون أهل العيسى في النعيرية بالدموع بعد الاستماع للكلمة المسجلة التي وجهها لهم حيث لم يسمح له وضعه الصحي بحضور هذا الاحتفاء. كما تحدث بني المرجة عن حفنة التراب التي أحضرها من المكان الذي احتضن شجرة التوت في قرية العيسى الذي تقبلها بتأثر كأغلى هدية، وهذا يدل على تعلق العيسى بأرضه وحنينه المقيم في حناياه إلى ذلك المكان. واعتبر بني المرجة أن الجميل هو مبادرة أنطاكية بجمع كل ما قيل من كلمات في الاحتفال الذي أقيم على مدى يومين في كتاب وقبول العيسى للاقتراح الذي قدمه له بأن تزين صورة النعيرية الغلاف الأخير للكتاب الذي حمل هذا العنوان معتبراً أن العيسى قد جسّد عبر مسيرة حياته مقولة أنه مواطن عربي بامتياز وهو الذي وزع سنوات حياته على أقطار الوطن العربي ليس كسائح بل كمقيم، كما أنه جسد عروبته ليس بكلامه فقط بل بأفعاله أيضاً كما توقف بني المرجة عند زيارة أحد الوفود التونسية للشاعر العيسى في دمشق بعد أن أصيب بأزمة دماغية وقد وصف السعادة الغامرة التي أحاطت بالشاعر واستعادته حيويته بعد هذا اللقاء.

ساهم برسم ملامح الوطن
وختام المشاركات كانت مع الإعلامية إلهام سلطان التي بدأتها بتوجيه التحية لشهداء الوطن ولجيشه الأبي ولونت سلطان الأفكار التي قدمتها بالعديد من الأبيات التي تتغنى بالوطن المعطاء وبشعبه الذي بقي كتلة واحدة عصية على التفتيت. ووصفت سلطان العيسى بشاعر البعث والحب والطفولة معتبرة أنه كان مع البعث منذ طفولته تعلم على يد والده تحت شجرة التوت التي بقيت لها مكانة مهمة في نفسه. وأكدت سلطان أن نادي العروبة في أنطاكية كان النقلة الأولى في حياة العيسى حيث تعرف على زكي الأرسوزي الذي شكل الخطوط الأولى في مسيرته حيث استقر في دمشق ضمن ظروف سيئة وفقر شديد وفي هذا البيت رفع أول شعار في وجه الاستعمار “أخرجوا من بلادنا أيها الفرنسيون” أيضاً أصدر العدد الأول من جريدة البعث بخط يده في 16 صفحة. كما تحدثت سلطان عن مكانة شجرة السنديان الموجودة في قرية حمام القراحلي في حياة العيسى والتي كانت المكان الذي يجتمع تحت فيئه هو ورفاقه مع الفلاحين هذه اللقاءات التي رسمت بداية انطلاق البعث في الفترات الأخيرة، وأشارت سلطان إلى إيمان العيسى الدائم أن سورية بخير وبأنه عبر عن ذلك بكل جوارحه وبهذه المسيرة من النضال والإبداع كان أحد الرموز التي ساهمت برسم الوطن وملامحه وبشر بالنصر الذي نعيشه اليوم وقصيدته الخالدة التي أركعت العالم لدمشق الأسطورة أبرز دليل على ذلك.
جلال نديم صالح