ثقافة

“الضيوف”.. الطيبون يدفعون الثمن باهظاً

في ثالث تجربة مسرحية مشتركة بينهما بدأت مساء أمس الثلاثاء عروض مسرحية “الضيوف” اقتباس جوان جان وإخراج سهيل عقلة وذلك على خشبة مسرح القباني، ويبيّن عقلة أن قاسماً مشتركاً جمع النصوص التي اتّخذها موضوعاً لأعماله، وهي تكاد تكون سلسلة يكمّل بعضها البعض، وتتصاعد فيها الأحداث بدءاً من “نور العيون” مروراً بـ “الطوفان” وليس انتهاءً بـ “الضيوف”.

الغرباء
يعتقد عقلة أن كل نص من هذه النصوص حرص على تقديمه في وقته المناسب ليكون ذا أثر وفائدة..من هنا فإن عمله المسرحي الحالي “الضيوف” يحكي عن أولئك القادمين من أنحاء العالم واجتاحوا البلاد وعاثوا فيها تخريباً وشرّاً، فكانوا أول من طعن بظهر هذا البلد مستغلين طيبة بعض البسطاء التي كانت فوق الحد المطلوب، منوهاً عقلة إلى أنه لا يوجد نص إلّا ويتحمل الإسقاط وقد كان نص “الضيوف” من السهولة بمكان لفعل ذلك، والنص المناسب لكثير من الإسقاطات المتعلقة بما حدث في سورية في ظل الحرب العدوانية عليها.
كما لا ينفي عقلة أسلوب المباشرة الذي يعتمده في أعماله وذلك لأنه مؤمن بأن مسرحنا يجب أن يكون بسيطاً ومفهوماً للجميع، لا معقداً وغير قادر على فهمه إلّا نخبة محددة من الناس..من هنا يحرص في مسرحه على أن تكون الفكرة فيه مفهومة وواضحة ليقدمها بطريقة مبتكرة، ولذلك فإن القصة في “الضيوف” تتناول ما يجري في سورية من خلال سعاد الشخصية الرئيسية في العمل، المرأة الطيبة التي تفتح قلبها وبيتها للجميع، في حين أن الشخصيات الأخرى مثل سامية وعماد وغيرهما ممن يجسدون الغرباء الذين يستولون على بيت السيدة مستغلين طيبتها.
أما على الصعيد الفني وبعيداً عما اعتاد أن يقدمه عقلة في أعماله من خلال شرطية المسرح وابتعاده عن الديكور والإكسسوارات والملابس، لجأ في هذا العرض إلى الأسلوب المباشر والتقليدي، معتمداً في بناء الديكور على كتل تقليدية مستعيناً بالإضاءة والموسيقا لكسر حدة ذلك.
ويوضح عقلة أنه اشتغل أيضاً على مجموعة من الأفكار التي قام بإضافتها للعمل لإحداث نوع من التعقيد في الأحداث التي يمكن أن تغري المتلقي وتحثه على التفكير، أما التعامل مع الممثلين فلا يخفي صعوبة التعامل مع ممثلين ينتمي كل واحد منهم لمستوى فني معين، خاصة وأن بعضهم يقف لأول مرة على خشبة المسرح..لذلك كانت مهمته خلق حالة انسجام بينهم رغم تفاوت الإمكانيات، مبيناً أن اتحاد عمال دمشق يسعى دائماً إلى استقطاب ممثلين جدد لرفد الحركة المسرحية بمواهب تحب المسرح..من هنا فإن بعض الممثلين في “الضيوف” يقفون لأول مرة على خشبة المسرح، وقد حاول عقلة أن يوظف موهبة كل واحد منهم من خلال الاشتغال على أدوارهم بشكل كبير وعدم تقييدهم بكركترات معقدة، معتقداً أنه نجح خلال فترة قصيرة في صنع ولادة ممثل إلى جانب الممثلين الآخرين.
وعن إيجابيات تعامله الدائم مع بعض الممثلين يرى عقلة أن تكرار التعامل مع بعض الممثلين له جانب إيجابي كبير بحيث يختصر الكثير من الوقت، الذي قد يحتاجه المخرج والممثلون للتعرف على الإمكانيات المشتركة، في حين أن تكرار التعامل يجعل الممثل قادراً بحركة أو نظرة واحدة على فهم ما يريده المخرج، ويصبح المخرج كذلك مدركاً لأدق تفاصيل إمكانية هذا الممثل أو ذاك، وأسهل طريق لاستفزازه لتقديم أفضل ما عنده.
ويختتم عقلة كلامه منوهاً إلى أنه سعيد بشراكته مع الكاتب جان، مؤكداً على ضرورة الاشتغال على النصوص المحلية لكتّابنا السوريين، لأنهم الأقدر على عكس الواقع، ولأنهم الأكثر صدقاً في تناول موضوعاتنا.

الإسقاط أمر ضروري
بعد عدة أعمال مسرحية للصغار شاركت فيها، تخوض دلال عمران اليوم أول تجربة لها على صعيد مسرح الكبار من خلال تجسيدها للشخصية الرئيسية في العمل، سعاد المرأة الطيبة الثرية التي تقابل الجميع بالحب والحنان والعطف، وهي التي تعيش حالة مأساوية بعد أن فقدت ابنها والتي تُقتل في النهاية على يد أعز صديقة لها، مؤكدة عمران أن الإسقاط في المسرحية كان أمراً هاماً وضرورياً، فسعاد تمثل سورية برأيها التي فتحت قلبها وبيتها على مدى التاريخ للجميع دون استثناء فغدر الكثيرون بها، ولا تخفي عمران أن كون شخصيتها هي محور العمل حمّلها مسؤولية كبيرة، إلا أن حبها الكبير للشخصية أزال كل الصعوبات في سبيل تقديمها بشكل حقيقي.

نقلة نوعية
الفنان ياسر البردان الذي جسد شخصية الخادم سمير يشير إلى أهمية رسالة مسرحية “الضيوف” التي تقول: الطيبون يدفعون الثمن باهظاً أحياناً، مؤكداً أنه في شخصيته يجسد الجانب الطيب الذي يتم الاعتداء عليه، وأنه حاول بناء هذه الشخصية عبر شخصيته الحقيقية الطيبة أيضاً، ومن خلال بعض الشخصيات الأخرى القريبة منه..وباعتبار “الضيوف” هو العمل العاشر له في مسيرته المسرحية، والثالث مع عقلة يبين أن الوقوف على خشبة المسرح له متعة لا تضاهيها أية متعة أخرى، وباعتبار أن عقلة صديق قديم له وقد اعتادا على بعضهما كممثل ومخرج، يبين أن إيجابيات هذا الأمر تجلت في اختصار الكثير من الوقت والجهد، مؤكداً البردان أنه سعيد جداً بمشاركته في هذا العمل بالتحديد الذي أتاح له لأول مرة تجسيد شخصية جدية بعد أن اعتاد على تقديم الشخصيات الكوميدية في الأعمال السابقة، معبراً عن ثقته الكبيرة بأن هذا العمل سيشكل نقلة نوعية في مسيرة المخرج والعاملين في هذا العمل، وهذا برأيه ليس تقليلاً من أهمية الأعمال السابقة، بل لأن الأعمال الكوميدية عادة لا تترك إلّا أثراً آنياً، في حين أن الأعمال التراجيدية تحفر في الوجدان والعقل، شاكراً مديرية المسارح والموسيقا على تعاونها مع المسرح العمالي لتقديم مثل هذا العمل الهام.

شخصية كوميدية
أما مجدولين حبيب والتي تجسد شخصية ليلى البنت غير الطبيعية والسلبية بتصرفاتها الخارجة عن المألوف، نتيجة حالة عدم الاستقرار التي كانت تعيشها مع والدتها والتي أحبت حالة الأمان والاستقرار في بيت سعاد، فتؤكد أنها أعجبت جداً بهذه الشخصية المختلفة عن الشخصيات التي سبق وأن قدمتها خاصة وأنها تؤدي هذه الشخصية بطريقة كوميدية لم يسبق لها أن أدت ما يشبهها، ولا تنكر أن الخوف يراودها عند تأدية أية شخصية على خشبة المسرح، إيماناً منها بأن الوقوف على خشبته مسؤولية كبيرة.وتوضح أنها من الممثلات اللواتي يعملن دائماً مع المخرج سهيل عقلة الذي يشتغل على أدق التفاصيل، كما أنها تميل لنصوص الكاتب جوان جان وتغريها كثيراً الإسقاطات التي يقدمها في هذه الأعمال.

طمع وخيانة
ولا تنكر ديالا العلي التي تجسد شخصية سامية التي طمعت ببيت صديقتها فغدرت بها وقتلتها للاستيلاء عليه، أن تجسيد مثل هذه الشخصية المركّبة أمر لم يكن هيّناً، وقد احتاج منها للكثير من القراءات والبحث خاصة وأن هذه الشخصية تمر بمراحل متعددة، منوهة إلى مساعدة المخرج الكبيرة لها للوصول إلى صيغة فنية مقنعة في تقديمها لهذه الشخصية.

للمرة الأولى
وعن وقفتها الأولى على خشبة المسرح من خلال هذا العمل تشير غيداء خالد التي تجسد دور الابنة الصغرى لسامية، ذات التصرفات غير المنضبطة، أنها سعيدة جداً، وقد أتاح لها هذا العمل فرصة الوقوف على خشبة المسرح، معترفة أن هذا  ليس بالأمر السهل كما كانت تعتقد قبل ذلك، وهي تشكر المخرج وزملاءها لمساعدتهم لها في خطواتها الأولى.
يذكر أن عروض المسرحية مستمرة يومياً على مسرح القباني في تمام السابعة مساء وهي تقدم بالتعاون بين مديرية المسارح والموسيقا والمسرح العمالي.

أمينة عباس