الإعلام سيف ذو حدين ..فلنتقن فنونه
وسط جو تفاعلي محبب تحولت محاضرة “دور الإعلام في الأزمة” التي ألقتها الإعلامية فاتن دعبول في ثقافي كفر سوسة إلى حوار حقيقي وتبادل للآراء وحديث عن وجع يعيشه المواطن السوري مع الإعلام المضلل وما جرّه عليه من ويلات وما صنعه ويصنعه من أوهام يحكيها عن أيامه في محاولة منه لقتل الرمق الأخير للشعب السوري الذي لن يستطيع أحد إلغاء إرادته، فالإعلام سيف ذو حدين علينا أن نتقن فنونه ولا يختلف اثنان أن الإعلام يشكل سلطة رابعة لما يمتلكه من قدرة على التأثير في المواقف والأحداث وتطوراتها -حسب ما ذكرت دعبول – ومع انطلاق الثورة الالكترونية باتت هذه السلطة تشكل بطل الأحداث والسلاح الذي يستخدم في كل الحروب والأزمات سواء بممارستها للحرب النفسية أو عن طريق تحريف الواقع وتضليل الأفراد والمجتمعات.
مرحلة عصيبة
وأضافت دعبول كلنا عشنا مرحلة عصيبة في ظل الأزمة التي تمر بها سورية جراء الإعلام وهيمنة بعض الفضائيات المغرضة على الفضاء الواسع (صد ورد، ادعاء وفبركة، كر وفر، قصف كلامي، تقارير مفخخة..)، وهي حالات عاشها المواطن حتى بات يتنقل بين محطة وأخرى لا يعرف للحقيقة مكاناً ولا هوية فتاهت بوصلته بين الحقيقة والتضليل والصورة المفبركة وبين واقع أليم يعيشه وخصوصاً أنه لم يعتد هذا الأمر من قبل وقد احترفت بعض القنوات كالجزيرة والعربية بث الفرقة والفتنة المذهبية وأتقنتها، مما دفع ببعض الشرائح ومن بيئات مختلفة إلى تصديقها ومواكبتها والتأثر بها.
رأي الشارع السوري
وعرضت دعبول لبعض آراء الشارع السوري في دور الإعلام فالبعض منهم يعتبر إعلامنا لا يقدم للمشاهد صورة حقيقية لما يحدث مما يضطرنا للاستعانة بالفضائيات الأخرى والتي خَبِرت العمل الإعلامي في أعلى مستوياته، بينما يرى بعضهم الآخر أنه على الرغم من كونهم تابعوا الفضائيات الأخرى في بداية الأزمة لاعتقادهم بامتلاكها الإمكانات والتقنيات، لكن بعد مرور فترة من الزمن ومن خلال بعض المفارقات التي يعرضها إعلامنا الوطني وشاشاتنا السورية اكتشفوا أن هناك الكثير من الادعاءات والفبركات التي تتقنها تلك الفضائيات المغرضة لتزرع الرعب فينا وتشتت شملنا، وهناك من أكد أن الكثير ممن غادروا سورية إلى الدول المجاورة كانوا ضحية لهذا الإعلام الآثم، ووقعوا تحت تأثير هذه الفضائيات وما كانت تبثه من أحداث مريعة.
إعلام مضلل
وتحت وطأة الإعلام المضلل وصل التشتت إلى الأسرة -كما ذكرت دعبول – عبر أراء مختلفة ومتباينة كما أن قوة الخصوم أودت بالكثيرين إلى حافة الهاوية وصنعت بعض المتطرفين الذين يصمون الآذان عن الحقيقة ويرون بعين واحدة ويسمعون بأذن واحدة ومصدر هذا التطرف هو تلك القنوات التي اعتادوا مشاهدتها والإيمان المطلق بما تبثه وكأنها لا تعرف الخطأ أو العصيان، حتى أن البعض دفع بأبنائه إلى تلك المجموعات المسلحة ظناً منهم أنهم يدافعون عن الوطن وغفلوا أنهم يساهمون في هذا الخراب والدمار، ويساعد في تفكيك لحمة الشعب السوري وزرع الفتن بين صفوفه، ومع أن الصحوة طالت أكثرهم في النهاية وعادوا إلى رشدهم، ومع أن ثمنها كان غالياً جداً ولكن لا يسعنا إلا القول أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل.
كما وقدمت دعبول بعض النماذج التي لم تكن على درجة من الوعي والثقافة فكانت هدفاً سهلاً للإغراءات المادية وغير المادية من اقتناء للسلاح والحصول على مواقع تخولهم أن يتحكموا بمن حولهم بما يرضي غرورهم وعقدة النقص لديهم لأنهم لا يستندون إلى قاعدة صلبة من المعرفة والوعي ولا يدركون أن الوطن هو أماننا وهويتنا والحضن الدافئ الذي يجمعنا تحت رايته دائما، وأنه لن يتخلى حتى عن أولئك الشباب الذين ضلوا بوصلتهم.
إعلامنا يخرج عن الطوق
مر إعلامنا الوطني بمستويات مختلفة في تعاطيه مع الأزمة منذ بدايتها حتى الآن مررواً بمرحلة الارتباك الأولى وصولاُ إلى إدراك المشكلة وتحديدها ومحاولة إيجاد الحلول وتوجيه الرسائل المناسبة للمشاهد. ورأت دعبول أنه علينا تلاعتراف بالارتباك الذي حصل بداية الأزمة في إعلامنا نتيجة عدم الاستعداد وغياب الإمكانيات المطلوبة فهو لم يرق بأدائه المهني إلى المستوى الذي يجعله فاعلاً في الحدث لا منفعلاً به ونداً حقيقياً للخطابات الإعلامية المؤثرة في صنع الأزمة وتأجيج أوارها، ولم يتمكن من صد الرياح الهوجاء التي عصفت بكل مواثيق الشرف الإعلامي وقواعد المهنة، فكان يعتمد على حماسته الوطنية وانتمائه لقضاياه الوطنية، لكن بعد أن امتدت الأزمة استعاد الإعلام الوطني مهنيته وأدواته وامتلك قوته كسلاح مشهر في وجه الإعلام المعارض المخل بجميع قواعد الإعلام، وتصدى بحرفية عالية للتضليل الإعلامي من خلال تفكيك الكثير من الألاعيب والأكاذيب وفضح عناوينها بالحجة والبرهان والصوت والصورة. كما استطاع أن يستعيد ثقة المواطن السوري به ومتابعته الحقيقية.
لوردا فوزي