ثقافة

دعونا نحرر هذا الإنسان!

أكرم شريم

أعجب وأستغرب وأستهجن أيضاً، أن نسمي أحد الأطفال بأنه يتيم! بل وأستنكر هذه التسمية التي تلتصق به طوال حياته، فنصير ننظر إليه وكأنه إنسان ناقص أو فاقد لشيء منه، وكأن هذا الشيء أهم من قدراته على التحصيل العلمي والمهني وإنشاء حياة طبيعية وناجحة له وطوال العمر!.
وماذا يعني أن يتوفى الوالد وأنت صغير أم كبير؟! هل يعني أنك تصبح بلا قدرات ولا أهلية لشيء، والأهم: هل تصبح بلا أم وأهل وأقرباء من أعمام وأخوال وعمات وخالات، وما هذه الاستهانة بالأمومة إلى هذا الحد؟! ثم هل تصبح بلا مجتمع، ولا وطن!؟. فأنت حين تقول، وفي هذه الأعراف المرضيّة الدارجة، هذه الأعراف السوداء في كل شيء، إن فلاناً يتيم فكأنك تقول إنه يحتاج إلى الحسنات والصدقات طوال حياته حتى يستطيع أن يعيش! والأكثر من ذلك أنهم يفتحون معاهد لهم، ومعاهد داخلية أيضاً، حتى تكتمل عزلته عن المجتمع كله بين يوم وليلة، فلا يعرف من العالم إلا رفاقه الأيتام مثله، وبعض الراعين له من المتصدقين، حتى لو لم يتصدقوا وذلك لأنهم يرعون أيتاماً وبعض المحسنين والمتصدقين. وقد يكون إشراف الدولة ضعيفاً أو حتى منعدماً، على هذه المعاهد، وعلى حياة هذا الإنسان السوي والطبيعي والحر وكما ولد من بطن أمه (وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) فيصبح يتيماً ويصبح هو الأضعف والأقل حقاً في الرعاية والحماية، ثم ترك الأمور لهذه الجمعيات، والمشكورة سلفاً، ولكنها في الوقت نفسه قد نعرف أولها ولا نعرف آخرها!.
إن الإنسان حين يتوفى والده، سواء كان صغيراً أم كبيراً، إنما هو إنسان طبيعي ولم يفقد شيئاً لا من عقله ولا من قراباته ضمن أهله، وإذا احتاج إلى مساعدة فإن حكومتنا الرشيدة لا تقصر، وخاصة حين تكون هناك أوراق ثبوتية تثبت حاجته، وفي كل الحالات سيكون ما تدفعه الحكومة أقل بكثير من إنشاء هذه المعاهد القاتلة للكرامة الإنسانية ولحقوق الطفولة والإنسانية أيضاً، والمانعة والحارمة لحق الطفولة في النشوء (الطبيعي) في هذه الحياة والحنان بين أهله وأقاربه وعلاقته مع رفاقه في المدرسة الطبيعية) وفي الشارع (الطبيعي) حتى نساهم في تحرير هذا الإنسان من كل هذه الإشفاقات والتسميات السامة، بل القاتلة اجتماعياً وفكرياً ووجدانياً، وبالتالي مهنياً وطموحاً وحتى امتلاك كل أسباب الطموح وبحرية حرة، أكرر بحرية حرة من كل هذه الاشقاقات والتسميات اللاإنسانية أيضاً!. والأهم هنا، أننا نمنع كل من لهم مصلحة في ذلك، ومهما كانت هذه المصلحة مرئية وواضحة أم غير مرئية وواضحة، أم غير واضحة! هذا فضلاً عن هذا الحب الطبيعي الذي نحرم هذا الطفل منه وكذلك الاهتمام الطبيعي به من قبل الآخرين، وخاصة رفاقه الطبيعيين وكأننا… ولا أقولها، وكأننا… ولا أقولها، وكأننا نقتل الإنسان فيه! وخاصة حين يريد أن يتزوج، أو حين يطلبون اليتيمة للزواج وكأنهم يحسنون لها بذلك!
وهناك أمر آخر، ولا يقل أهمية، ألا وهو ما في هذه التسمية (اليتيم) من الحط من القيمة! إنه حط مسبق من قيمة هذا الإنسان، وليس من ذنب اقترفه أو خطأ ارتكبه أو حتى كلمة قالها!. وهكذا تكون النصيحة اليوم دعوا الشعوب في كل أنحاء العالم تتحرر من هذه العادات والتسميات وأغلقوا هذه المعاهد القاتلة لإنسانية الإنسان والتي تفتح كل الأبواب لاستغلال هذا الإنسان، وافتحوا كل الأبواب لإشراف الأم والأهل والأقارب، وحتى وزارتنا المسؤولة للشؤون الاجتماعية والعمل، وحكومتنا الرشيدة وما يمكن أن تقدمه، وحسب بيانات تطلبها وتكون موثقة للمساعدة الاجتماعية عن طريق الدوائر المختصة، وقد يكون هذا أقل كلفة من إنشاء هذه المعاهد الداخلية ومصاريفها، وارفعوا هذا الظلم عنا وعن عقولنا ووجداناتنا وعن مجتمعنا كله ، فلا يتيم إلا يتيم الأخلاق أو الوجدان، مثل أعدائنا وأعداء الشعوب!