واشنطن تراوغ.. وحركة المتسللين عبر الحدود التركية تتصاعد إسبانيا واستراليا تقرعان ناقوس الخطر.. وتقران حزمة إجراءات لمكافحة الإرهاب
بعد أن أصبحت التنظيمات الإرهابية، التي سبق ودعمتها وموّلتها الدول الغربية، عبر مدها بالسلاح والمال في سورية، وسمحت لمواطنيها بالسفر والانضمام إليها، بتسهيل من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان، تشكل خطراً يهدد ليس أمن المنطقة واستقرارها فحسب، بل الأمن والسلام الدوليين، وبعد تصاعد المخاوف الغربية من عودة الإرهابيين، الذي انضموا إلى التنظيمات التكفيرية وارتكبوا الجرائم والمجازر الوحشية بحق السوريين على مدى السنوات الثلاث الماضية، إلى بلدانهم مزودين بخبرات إرهابية وأفكار متطرفة وقيامهم بتنفيذ عمليات على أراضيها، بدأت أجهزة الاستخبارات الغربية تدق ناقوس الخطر، وتحذّر من ارتداد الإرهاب عليها.
بالأمس، أقر رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت أن ستين أسترالياً على الأقل انضموا إلى صفوف التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، بدعم من نحو مئة شخص وسيط في استراليا، معتبراً أن ذلك يعني أن بلاده قد تواجه مزيداً من الإرهابيين المحتملين أكثر من أي وقت مضى، وقال: إن الصور الأخيرة لأعمال القتل الوحشية في سورية، ووجود مواطنين استراليين بين المقاتلين الأجانب، تسلط الضوء على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة التطرف، مشيراً إلى أن ما يسمى تنظيم دولة العراق والشام الإرهابي يهدد جميع من لا يشاركونه تطرفه العنيف والانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية.
وكشف أبوت عن إجراءات لمكافحة الإرهاب لمنع الشبان الاستراليين من الانضمام للمتطرفين في سورية والعراق، موضحاً أن حكومته تعتزم إنفاق نحو 585 مليون دولار على إجراءات تشمل: تعزيز برامج مشاركة المجتمعات المحلية في استراليا، وإنشاء فرقة متابعة بالشرطة الاتحادية الاسترالية لرصد عودة المقاتلين الأجانب وأولئك الذين يدعمونهم إلى استراليا، وتشكيل مجموعة للتحقيق مع المقاتلين الأجانب ومؤيديهم وملاحقتهم.
وأعلنت استراليا إنشاء وحدة للتحقيق والتدخل متخصصة بالتصدي للمرشحين للانخراط ضمن التنظيمات الإرهابية المسلحة في سورية والعراق، وقررت الحكومة تخصيص 64 مليون دولار استرالي، 45 مليون يورو، لتدارك وقمع تجنيد شبان استراليين للمشاركة في القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية المسلحة.
ودعت الشرطة البريطانية مواطنيها إلى الإبلاغ عن أي إرهابيين محتملين من بين أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم أو جيرانهم، وقال مساعد مفوض شرطة سكوتلنديارد مارك راولي المختص في مكافحة الإرهاب: ربما كانوا ينوون السفر إلى الخارج، أو أنهم عادوا لتوّهم، أو أنه تبدو عليهم مؤشرات على أنهم يميلون إلى التطرف، وأضاف: إن كل شخص عاقل في البلاد تأثر بالقتل الوحشي لجيمس فولى على أيدي إرهابيي تنظيم “داعش”.
ومع تنامي مخاوف الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، من خطر هؤلاء الإرهابيين على دولهم بدأت واشنطن ومعها استراليا أخيراً حملة في الأمم المتحدة لاعتماد معايير دولية للتعامل مع الأعداد المتزايدة لهؤلاء الإرهابيين في سورية والعراق والتهديد الذي قد يمثلونه لدى عودتهم إلى بلادهم، واكتسبت هذه القضية أهمية في استراليا في أعقاب نشر صورة مروّعة لطفل استرالي وهو يحمل رأس أحد الضحايا الأبرياء الذين قام بقتلهم والده الإرهابي بدم بارد ليتفاخر بالفظاعات التي ارتكبها في وقت لاحق على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت.
من جهتها أكدت وزارة الداخلية الإسبانية أن الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة الإرهاب متيقنة بأن الإسبان الذين غادروا بلادهم للانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية انضموا إلى صفوف ما يسمى تنظيم “داعش”، مشيرة إلى أنه لا توجد إمكانية لتحديد عدد الذين غادروا والذين عادوا بعد قيامهم بعمليات إرهابية وإجرامية في سورية والعراق، وقالت: إن هناك ما يقارب 60 إسبانياً تمّ تجنيدهم عن طريق الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل القتال في صفوف التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى وجود 1200 مغربي يحملون الإقامة الإسبانية في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأشارت الوزارة إلى أن إسبانيا تعتبر القاعدة الأساسية لتجنيد وإرسال الإرهابيين إلى سورية، حيث توضح التقارير الواردة إليها أن مئات الأجانب من جنسيات مختلفة معظمها فرنسية ومغربية يتوجهون عبر إسبانيا إلى تركيا ثم يتسللون إلى سورية، مبينة أن عمليات اصطياد وتجنيد الإرهابيين كانت تتمّ في برشلونة ومدريد، وسبتة ومللية وعدد من المدن المغربية، مثل الحسيمة وطنجة وتطوان والناظور، وكلها مدن قريبة جداً من إسبانيا، وأن الأغلبية العظمى ممن تمّ تجنيدهم في هذه المدن يحملون إقامات إسبانية.
وتلفت التقارير إلى رغبة هؤلاء الإرهابيين المغاربة بالعودة إلى بلادهم عبر إسبانيا بسبب القرب الجغرافي بين البلدين، وهو الشيء الذي قرع ناقوس الخطر في إسبانيا، ورفع من حالة التأهب فيها.
وفي لندن، كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية أن عشرين إرهابياً أجنبياً يدخلون إلى سورية بشكل يومي عبر الحدود التركية للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية فيها، باستخدام طريق بات يعرف بين الإرهابيين باسم “طريق الجهاد” وذلك على مرأى ومسمع السلطات التركية، التي دأبت منذ سنوات عدة على إرسال مئات الأطنان من الأسلحة إلى الإرهابيين في سورية، وأشارت في تحقيق إلى أن الحدود التركية تحوّلت إلى بوابة لعبور الإرهابيين القادمين من مختلف أصقاع الأرض من أجل القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية المختلفة في سورية، فقد أصبحت هذه الحدود والطرقات المتشعبة التي تقود إليها مفتوحة بشكل كامل أمام كل من يريد الدخول إلى الأراضي السورية بمساعدة واضحة من قبل السلطات التركية، وأوضحت أن حرس الحدود الأتراك يغضون الطرف عن مرور الإرهابيين إلى داخل سورية مقابل حصولهم على عشرة دولارات فقط، الأمر الذي سهل عبور آلاف الإرهابيين من جنسيات مختلفة.
وكان مختار قرية تركية تدعى تشاندير على الحدود مع سورية أكد أن قوات الدرك التركية سهلت عبور مرتزقة تنظيم داعش الإرهابي إلى سورية وارتكابهم مجازر مروعة بحق المدنيين، مشيراً إلى تجول هؤلاء المرتزقة في القرى التابعة لبلدة يايلاداغ وعرض صور فيديو تظهر أعمال قطع الرؤوس لسكان القرى بهدف ترويعهم.
وأكدت ديلي تلغراف في مقال ثانٍ أن الإفراج المفاجئ، الذي لا يمكن تفسيره، عن الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كورتيس، الذي كان محتجزاً لدى “جبهة النصرة” مطلع هذا الأسبوع أثار المزيد من الأسئلة حول دور مشيخة قطر في تمويل الإرهاب والقيام بدور السمسار في دفع فدى تقدر بملايين الدولارات لإطلاق رهائن غربيين تحتجزهم التنظيمات الإرهابية المسلحة في الشرق الأوسط، وقالت: “إنه لم يصدر أي توضيح من أي مسؤول رسمي بشأن السبب الذي دعا التنظيم الإرهابي في سورية التابع لتنظيم القاعدة إلى إطلاق سراح كورتيس سوى أن كورتيس حصل على حريته بواسطة قطر، التي لديها سجل حافل من دفع الفدى”.
ويقول ديفيد واينبرغ المتخصص بشؤون الخليج في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي أدلى بشهادته مؤخراً أمام الكونغرس الأمريكي بشأن دور قطر في تمويل الإرهاب، إن الإفراج عن كورتيس أثار الكثير من الأسئلة التي لم تحظ بالإجابة بعد، مضيفاً: إنه في حال رأيت مجموعة مثل “جبهة النصرة” تطلق رهائن فإنهم لا بد أن يكونوا قد حصلوا على شيء في المقابل، وتابع: إن قطر ظهرت خلال العامين الماضيين على أنها “طرف محوري في دفع الفدى للتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط”.
وفي السياق، قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية: “الآن وبعد إعدام الصحفي الأمريكي فولي جاءت قطر لتقول للأمريكيين: إن دولتهم الصغيرة يمكن أن تدبر إنقاذ رهينة أمريكي، في الوقت الذي فشلت فيه السعودية في ذلك.
وكانت تقارير أكدت أن مشيخة قطر تعد من أكبر الممولين للتنظيمات الإرهابية في سورية، وبحسب مصادر قطرية تمّ إنفاق أكثر من ثلاثة مليارات دولار لتمويل هذه التنظيمات، وتراوحت وسائل هذا الدعم بين إرسال الأموال وشحنات الأسلحة والمعدات العسكرية ووسائل الاتصالات المتطورة وغيرها.
في الأثناء، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست: إن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتخذ بعد قراراً بشأن توجيه ضربات جوية محتملة لمواقع تنظيم “داعش” في سورية، وأضاف: إن الضربات الجوية ليست السيناريو الوحيد قيد الدراسة حالياً، لأن أوباما مصمم على الرد على التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش”، لذا أمر بتوجيه ضربات جوية في العراق، ومع ذلك فإنه من المهم التشديد على أن الخيار العسكري ليس الوسيلة الوحيدة المتاحة.
وقال الكاتب الصحفي قدري غورسيل: لو لم تفتح تركيا حدودها مع سورية لداعش، ولو أنها لم تسمح لهذا العدد الكبير من المقاتلين بعبور الحدود إلى سورية مسلحين ببنادق ومعدات، ولو أنهم لم يستخدموا تركيا كقاعدة لهم لما كان التنظيم جمع قوته الحالية في سورية.
وذكر دبلوماسيون أوروبيون ومسؤولون أتراك أن آلاف الإرهابيين من دول عدة من بينها تركيا وبريطانيا وأجزاء من أوروبا والولايات المتحدة انضموا إلى الإرهابيين في سورية، وقال دبلوماسي أوروبي في أنقرة، رفض الكشف عن هويته، إن آلاف الأوروبيين دخلوا تركيا في طريقهم إلى سورية، ويعتقد أن عدداً كبيراً منهم انضموا إلى التنظيمات المتطرفة.
وقال مسؤولون آخرون: إن هناك عمليات مسح وفحص أكثر صرامة للركاب في الرحلات الجوية القادمة إلى تركيا بالتعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وحشد دوريات على الحدود مع سورية.