انحسار البيئة الحاضنة للإرهاب
لم يكن القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن منّةً، ولا مجاناً، ولا لفتة كريمة من المجتمع الدولي، ولا رأفة بالضحايا من كافة الأطراف، فقد جاء بعد رهان أليم ومكرّر وفاشل على الإرهاب والإرهابيين. إنَّه ضرورة واضطراراً في الوقت نفسه.
ولا شكّ في أنَّه جاء متأخّراًويشكّل -نظرياً- مرحلةً جديدةً في تعامل المجتمع الدولي مع الإرهاب، على الرغم من تناسيه الإرهاب الصهيوني بأبعاده العديدة.
والقرار رهينُ المصداقية من جهة، وازدواجية المعايير من جهة ثانية، فعلى المستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة هناك ترقّب وشكوك في قدرة الدول التي شجّعت على الإرهاب أن تنتقل إلى الضفّة الأخرى – مع قدرتها الأكيدة والواضحة – لتحارب الإرهاب وتجفّف المنابع التي غذّتها وأمّنت لها السيولة والتدفّق والانتشار.
ولم يأتِ القراُر لولا صمود الشعب السوري وجيشه الباسل ومؤسسات دولته الوطنية، وإيمانه بأنَّ الحقائقَ ستتكشّف أمام الشعوب التي أدركت وستدرك قريباً أكثر أنَّ سورية ومنذ بداية الأزمة تواجه مخططاً إرهابياً، وليس للمرة الأولى، نتيجة مواقفها ومبادئها، وهذا مايعرفه الشعبُ العربي السوري، والأحرارُ في الوطن العربي والعالم.
فقد جاءت متاجرةُ الغرب والصهيونيّة والرجعيّة العربيّة بالإرهاب في زمن ضعف المجتمع والمؤسّسات والمنظّمات الوطنيّة والقوميّة التقدّمية، زمن تلاشت فيه قوى اليسار والعلمانيّة وحركات التحرّر والسلم والتضامن والصداقة بين الشعوب الآسيوأفريقيّة والأمريكيّة اللاتينيّة، زمن تقدّم العولمة والشركات متعدّدة الجنسيّة العابرة والجوّالة والتي حاكاها الإرهاب الدولي من حيث العبور وتخطّي الحدود الوطنيّة والارتهان للمصالح والسياسات النيوكولونياليّة «البترودولار».
لا . لم «ينتهِ التاريخ»، ولن يستمر «صراع الحضارات» وفق المفهوم والمصالح الصهيوأمريكيّة، فمع دخول الإرهاب والتكفير والتدمير العام الرابع في المنطقة انفضحت الخطط والأهداف، وبدأ ينجلي وعيٌ حقيقيٌّ في أعماق الشعب بمختلف طبقاته وانتماءاته، وبدأ يظهر انحسارٌ واسعٌ في البيئة الحاضنة للإرهاب وداعميه، فحتى الناشئة وفي البيئات التي كانت حاضنة سابقاً صاروا يدركون أنَّ الإرهاب موظفٌ ومدعومٌ مركزياً بالسلاح والمال والتنقّل والعبور ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي التي تتحكّم فيها أمريكا وذيولها في المنطقة لتفتيت الشعوب والمجتمعات والدول والأفراد، إنَّها الفوضى الخلّاقة لرايس، والشرق الأوسط الجديد لبيريز، إنَّها الصهيونيّة والوهابيّة برعاية أمريكيّة لا شكّ. وهذا ماسترفضه – بمنطق الحتميّة التاريخيّة – شعوبُنا ومجتمعاتُنا العربيّة والإسلاميّة التي ستلقي قريباً بالإرهاب والإرهابيين في مزبلة التاريخ.
واليوم الجميع يعلم أنَّ الإنجاز المرحلي المؤقّت الذي حقّقه الإرهابيون في العراق مثلاً كان من نتائج تدمير الروح والمؤسسات الوطنيّة والعروبيّة في البلد الذي يدفع اليوم ثمن حلّ الجيش سنة 2003 وإعادة بنائه أمريكياً كقوى أمن داخلي – عدة دون عتاد- فمع هجوم الإرهابيين على الموصل لم يكن يملك هذا الجيش قوة نارية حقيقية، ولا اللازم من المدرعات وسلاح الجو، فقط رشاشات 12 مم، في الوقت الذي تعرف فيه أمريكا ذلك، وتعرف هي وقطر وتركيا أنَّ الإرهابيين يملكون مالاً وافياً ورشاشات ومدافع 23 مم متطورة وصواريخ موجّهة فاعلة.
والجميع يعلم أيضاً ومقتنع بأنَّه يصعب على الإدارة الأمريكية وذيولها في المنطقة امتلاك المصداقية اللازمة لتنفيذ هذا القرار، وقد تفعل مع التنظيمات الإرهابية الجديدة مافعلته مع القاعدة سابقاً – كما قال لافروف بالأمس – حيث ازداد ثقل إشكاليتها الإقليميّة والدوليّة بعد ضربها طالبان، وأصبح الأمر متاجرةً مفضوحةً.
ولذلك يأتي استعداد سورية للتعاون والتنسيق الدولي والإقليمي بمكافحة الإرهاب مدروساً بدقة وجدياً وصادراً عن صمود الشعب والجيش ومؤسسات الدولة، وعن انتماء أصيل ووعي دقيق لمجتمع سياسي وطني واعد تتشكل فيه بيئة حاضنة جديدة يتلاحم فيها الشعب مع قيادته ضد الإرهاب والظلام والتكفير.
د. عبد اللطيف عمران