في المجموعة الشعرية نام الغزال النزعة الصوفية والاحتفاء بالإنسان والحياة
“نام الغزال” هي المجموعة الشعرية السادسة للشاعر نزار بني المرجة الصادرة حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق وقد بدا القاص أيمن الحسن متحمساً للمجموعة في الجلسة النقدية التي استضافتها الزميلة الإعلامية فاتن دعبول في منزلها فقد أكد الحسن أنه قرأ المجموعة في جلسة واحدة وقد وجد نفسه أمام لحظات إنسانية جميلة بعيدة المدى واستغل الحسن تلك الجلسة ليطرح سؤالاً مهماً ينطلق من نظرته لدور الأديب “هل يكفي أن يكون الأديب أديباً فقط خصوصاً في الظروف التي تمر بها بلدنا، وطبعاً قدم الحسن رؤيته وهي أن للأديب أكثر من دور ومهمة ليكون فاعلاً في المجتمع فمن الضروري أن يكون على سوية معقولة من الثقافة التي تسم أدبه بالعمق والحالة الإنسانية وتجعله يصل لشريحة أوسع من الجمهور ومن المهم ألا يكتفي الأديب بأمسية هنا أو هناك بل أن يسعى هو للوصول إلى الناس أينما وجدوا .
أسئلة الشعر الأولى
بداية المشاركات النقدية كانت مع الناقد أحمد هلال الذي اعتبر أن الشاعر بني المرجة في “نام الغزال” يعيدنا إلى أسئلة الشعر الأولى المؤسسة على تلاقي المتعة والمعرفة وعلى مدى التأثير في ذات المتلقي بوساطة لغة موحية آسرة تتعدد فيها الأصوات والحضورات الأخرى فثمة سعي إحيائي يعود بنا إلى انفتاح حواس اللغة الشاعرة لتحتفي بالطازج والأثير والشبيه المختلف وعذوبة السبك والنزوع الغنائي الصوفي الذي شغل بدرامية اللغة والحدث الشعري فقد ذهب الشاعر كما يؤكد هلال إلى مستوى غير ما نألفه في القصائد البلاغية والحداثية فهو يحتفي ليس بشكل القصيدة إنما بالمضمون وبالأسلوبية المصاحبة وهذا ما وصفه هلال بالكلاسيكية الجديدة التي تركز على بلاغة الحالة والومضات الخاطفة.. وتساءل هلال عن سبب استدعاء بني المرجة للشاعرين حافظ وسعدي الشيرازي وهل كان ذلك بسبب كونهما رمزين ثقافيين عاد هلال ليجيب أن ذلك كان بسبب أن نزوعهما الصوفي وافق نزوع الشاعر الذي أراد أن يقول لنا أن الثقافة تنفتح في أكثر من اتجاه ورأى هلال أن القصيدة عند بني المرجة عبارة عن تشكيل جمالي يرسم المتعة وهو ما أطلق عليه هلال المألوف الجميل لأن الشاعر يذهب إلى إنتاج المعنى ويستدخل القارئ كشريك له وتوقف هلال عند قصيدة أخرى في المجموعة وهي “قصر البنات” ليدلل من خلالها على السردية المتواترة واستدخال التراث الحكائي والاتكاء على الرمز الشفيف وهو ليس رمزاً عابراً بل يصب في مشروع الشاعر وتكوينه ومرجعيته الثقافية أما بقية القصائد في المجموعة فقد توقف هلال عند لغتها البسيطة والمؤثرة غير المبتذلة والبعيدة عن الضجيج.
القصيدة بأشكالها المتعددة
ورأى الناقد عماد فياض أن مجموعة “نام الغزال” تنهض على العميق والجوهري في الإنسان ألا وهو سؤال الوجود والعدم بالإضافة لمقولة الحب والجمال في محاولة لاستبصار اللطيف والكامن فينا والذي ربما لا ندركه إلا بعد أن نفقده واعتبر فياض أن ما تطرحه المجموعة من أسئلة وجودية وفلسفية مؤرقة يجعلها تبحث في لب الأشياء لسبر أغوارها ومن خلال بحثها هذا فإنها تتوهج بفكرة صوفية فكرة التناقض وهذا التضاد الذي يحيط بنا وربما لا نعيره اهتماماً، بينما تذهب الصوفية وراء فكرة التناقض المحيرة ولا ترضى بالأفكار البسيطة. وبيّن فياض أن ما يعزز الصوفية التي تأخذ منها “دم الغزال” يكمن في اتكائها على الشاعر سعدي الشيرازي الذي تنقل بين بلاد ومدن كثيرة متأثراً بالمتصوف الكبير السهروردي فإذا كان الحامل سعدي الشيرازي فان مجموعة “نام الغزال” تأخذ من الصوفية اللطافة والرقة وتذهب عميقاً في المحبة. ومن الأسئلة المهمة التي توقف عندها فياض واعتبر أنها تؤرق الشاعر هي قتل الإنسان لأخيه الإنسان باستحضار قصة القتل الأولى قابيل وهابيل وإسقاطها على ما يحدث في سورية الآن وربما في أي مكان من العالم، فقط من أجل الخلاف في الرأي والمعتقد الذي تجسده هذه العبارة الفجائعية المفتوحة على كل الاحتمالات بسبب الجهل وعدم التسامح “عقلك يفتك بي” وبقدر ما يعشق الشاعر الصوفي الجمال فهو شاعر مرعوب كونه يعيش عمق الأشياء ويستبصرها، وبالتأكيد هي تجربة ذاتية لكن من هذا العدم الذي لا يريده الشاعر تنبثق الحياة، كما أن المجموعة لا تقف عند ما تراه العين على السطح بل تذهب إلى عمق الأشياء من خلال هذه الروح التأملية “دمي..ماء ورد وجزر.. ومد ووصل وصد..” هنا توقف فياض عند تقنية الفراغ واستخدام التنقيط من قبل الشاعر معتبراً أن هذه التقنية تساعد على كسر أفق التوقع لدى القارئ كما الحال في قول الشاعر “دمي” لنكتشف أن دمه ليس أحمر بل ماء ورد.
ومن الجوانب المهمة التي توقف عندها فياض أيضاً شكل القصيدة معتبراً أن “نام الغزال” مجموعة شعرية نثرية مع بعض قصائد التفعيلة وقصيدة عمود واحدة وهذا يدل على أن بني المرجة متمكن من كتابة القصيدة بأشكالها المتعددة لكنه اختار قصيدة النثر التي بدا فيها بارعاً بما أنجزه فيها من تكثيف وإدهاش ومفاجأة وربما اختار قصيدة النثر لأنها تعطيه مساحة أكبر في طرح السؤال واستبطان الذات والعالم والغوص في قلب الأشياء.
جلال نديم صالح