“جرار” عناية البخاري.. صيرورة ثقافة أم تشكيل؟
هل أرادت الفنانة التشكيلية عناية البخاري من خلال مشروعها الجديد الجرار “الخوابي” أن تناهض بأنوثتها الرجل؟ عائدة من مرجعية أن الأشياء أنثى، ليس إلغاء للأخير بالمطلق بل من باب العطاء، مما يثري هنا العودة إلى بدء الخليقة وتشكل الإنسان من ماء وطين “لحظة التكوين”، وهذا يشي بالقول إنها عمدت بدءاً العودة إلى مرجعيات فلسفية مكتسبة، تناقش من خلالها التكوين كمشروع رؤية “تأصيل وجود الإنسان” بدورات الحياة توسلاً لوحدة الأصل الإنساني في دلالة الألوان، دلالة الثراء والتفرد، عبر صراعات قائمة في الكون، منها الثانوي والرئيسي، عملت عناية البخاري على تذويبها من خلال تمازج الألوان وتنافرها، كالأخضر الذي ارتكزت عليه لتأثيث فكرتها، على الرغم من تنافره مع الألوان الأخرى فيما قدمت من منجز.. هذا مع الانسجام الخالص لرؤية الخالق “وحدة عضوية” أولاً، وتالياً إثبات مقدرتها على إفراغ مكنونات الذات الخاصة من لواعجها وإعادتها إلى ماهيتها الأولى. مما فتح أفق الأسئلة البديهة، للوصول إلى مضمر المعطى “شيفرات الموضوع”، ومحايثته “اقترابه مما يشبه العلائق والمكنونات” من حيث التناول “الطريقة والكيفية”، تجلى هذا في امتلاكها لحس فني راقٍ، ساهم في تكوين الرؤى “التصورات والأفكار”، من خلال تشكيل بنائي “شكل الرسم والتقطيع”، يواري خلفه عمقاً في معنى دلالات الصورة، التي تحيلنا إلى أكثر من قراءة، تبعاً لمرجعية تكشف نسيجها في متن التشكيل المباشر وغير المباشر، لتترك لمتلقيها الحرية في اكتشاف مضمرات لوحاتها.. مستشفاً قدرة الفنانة على التخييل، واستنباط مشهد بانورامي لمنجزها ككل “المشهد الكلي للمعرض”، ما يشي بوعي تام لدى الفنانة، وأنها تؤسس لربما لفكرة تناهض اللحظة “النتشوية”، وهي تلوين الواقع عندما يعجز الفن عن تغييره، بل رده إلى جذره، والتسليم بأنها صنعت من غافل المادة وغيّبها “كناية الجرار”، وتمكنت أن تنفخ فيها الحياة، كما نفخت “الأسطورة في بجماليون”.. مع الإقرار بأن اللون مثوى الكينونة من حيث التبديل والتجديد، ببساطة مركبة، بساطة خادعة المنظور رؤيوية “البساطة المرئية”، والقبول بها بأنها قيمة مضافة، بعد النوع والأصل. هذا ما أثرى وفتق من الأسئلة أسئلة أخرى في متخيل متلقيها، كيف تلد الجرة جرارها؟. عمق حالة الإنجاب والتكاثر، لحظة الوهم “الشك” التي أتت بالاندهاش.. وهل عادت الفنانة في منجزها إلى طفولتها من حيث لا تدري؟. هل تأتت فكرتها من بعد فلسفي صارخ “بصوت الجرار”، بأنها لا تستطيع أن تقاوم الوحشية التي وصل إليها البشر، وهم في الأصل من ماء وطين؟! أي متساوون من حيث البنية والتشكيل. لماذا الجرة “الخابية”؟. هل جاءت الفكرة من تأثيرها الثقافي على العقل البشري، كونها –الجرة- شاهدة رحلة الإنسانية “الحميمية”، أم لصيرورتها الشفوية، ككسرها وراء مسافر، أو الاستدلال بها حسبما ذهبت إليه الأمثال “طب الجرة على تمها تطلع البنت لأمها”..
عناية البخاري، التي تستعد لمعرضها الجديد بداية الشهر المقبل، ذهبت باستخلاص تجربتها الجديدة الجرار “الخوابي”، بمعانيها الثقافية وخصوصيتها وعموميتها بآن معاً، نحو تحقيق شرطها الإنساني وتالياً شرط الفن، لتناهض التجبر والانحياز إلى الروح الإنسانية، مسجلة خلود أثرها الفني الجرار “الخوابي” عبر متخيل الحلم والواقع ودأب الثقافة والفن، لأن يكون معادلهما الحب والحياة.
طلال مرتضى