ثقافة

هيام حموي.. عن معرض دمشق والزمن الجميل

عودة معرض دمشق الدولي بعد عدة سنوات انقطاع هو بارقة أمل جديدة سينتهي بها زمن المآسي كما وصفته هيام، وهي خير شاهد على ذلك الزمن الجميل الذي عاشته بكل بهائه وجماله ، وبحنين كبير تحدثت عن ذكرياتها في معرض دمشق الدولي فقالت:
في المكان السابق للمعرض كنت موجودة في الأستوديو الزجاجي الذي قدمت عبره تسع دورات لمعرض دمشق الدولي، وهي من أجمل ذكرياتي المهنية حيث كانت الحياة مزدهرة كثيراً وبدايات مشرقة لكثير من الفنون في سورية، كانت المسلسلات التي تعرض في ذلك الوقت مختلفة ونجومنا الكبار اليوم كانوا حينها في أوائل مسيرتهم، وكان جميلاً أنهم جميعاً مروا بهذا الأستوديو، وأذكر أن دمشق حينها كانت عاصمة الدنيا طوال فترة المعرض، مثلما كانت عروساً للثقافة عام 2008، والجميع لديهم الرغبة في تقديم كل شيء جميل، حتى الأماكن الليلية كانت تضم كبار المطربين ونذهب لحضور حفلاتهم بعد الانتهاء من برنامجنا في الحادية عشرة مساء وكنا نسهر حتى الصباح، تلك الفترة أتذكرها بحنين كبير. والآن وبعد سنين الحرب التي مرت على بلدنا الغالي، أتخيل الحالة كما الحمامة البيضاء تحمل غضن الزيتون، فافتتاح المعرض الآن هو مؤشر لبداية الخلاص من كل المآسي التي عشناها، والمهم أننا نرى بارقة أمل بعودته حتى لو لم يعد إلى مكانه القديم، بما يحمله من تفاصيل الأيام المشرقة بالحب والجمال، لكن بإذن الله سيصبح للمكان الجديد الألق ذاته الذي كان، والدليل هو حضور كل هذه الدول المشاركة في المعرض، وبالتأكيد هناك من أتى للمشاركة محبة بسورية وشعبها، وهناك أيضاً من أتى محبة بمصالحهم لدينا، وهذا مؤشر أنه لازال لدينا خيرات يطمعون باستثمارها، وعلينا أن نكون يقظين وحذرين ونتعلم من دروس الماضي فلا نتركهم ينهبون خيراتنا، فنحن معطاؤون كثيراً، وهذا دليل آخر أنه رغم الحرب لازال هناك ما يمكن أن يأخذوه، فأهلاً وسهلاً بكل من سيأتي، هذا طبعاً على المستوى الاقتصادي، لكن على المستوى النفسي والروحي فجميل جداً أن يأخذ الأهل أولادهم إلى المعرض ويحدثوهم عن تاريخه على مدى خمسين عاماً، كان فيها قبلة أنظار الدنيا.

ذكريات الطفولة
ويبدو أن مقولة: “جنة الأطفال منازلهم” كانت مطبقة منذ زمن قديم، فذكريات المعرض امتدت عند هيام على مراحل متعددة، فما بين ذكريات الطفولة القديمة وذكريات المراهقة الجميلة  تقول:
هناك ذكريات تعود للطفولة والحزن الذي كان ينتابني عندما يرفض أهلي –سامحهم الله- أن يأخذوني معهم إلى حفلات فيروز وأم كلثوم، بعدها أتت فترة الوحدة وكنت قد كبرت قليلاً وأصبحت أرافق أهلي إلى جناح (الجمهورية العربية المتحدة) وقد توضعت في بهو الجناح شاشة كبيرة تعرض أغان وطنية، كان يتخللها أوبريت “الوطن الأكبر”، وبما أنني كنت معجبة كثيراً بعبد الحليم، فكنت أنتظره أن يظهر في الأوبريت مع شادية ونجاة وصباح وفايزة أحمد وعبد الوهاب، وهذا كان أول فيديو كليب أتذكره، كانت الحالة جميلة جداً، وكنا نتجول في أجنحة المعرض كلها ونعود ثانية لنحضر هذا الأوبريت، لأنهم كانوا يعرضونه بشكل دوري ضمن أغنيات وطنية أخرى، وبعدها كنا نذهب إلى سوق البيع ونشتري العطور والهدايا، وكنا نسعد كثيراً باللهجات المتعددة التي نسمعها كالمغربية والمصرية، وقد ترافقت هذه الذكريات الجميلة مع مرحلة المراهقة، ومثلت حالة اكتشافية ممتعة بالنسبة لي، فكان المعرض أشبه بمهرجان ملون بأطياف الحياة.

المعرض وإذاعة الشرق

بعدها سافرت إلى فرنسا، وبابتسامتها المعهودة قالت: جاء عبد الحليم في غيابي إلى دمشق وأحيا حفلة في المعرض، واليوم هناك مقاطع مصورة فيها مذيعة تحدثه: وتقول بدعابة: (يالطيف شو حسدتها) وكان أن التقيت به وأنا مراهقة وسلمت عليه وبقيت على مدى يومين أتحاشى أن أغسل يديّ، والذكريات اللاحقة مع المعرض تعود لفترة التسعينيات، فترة وجودي في إذاعة الشرق.
وبعد أن امتلكت القدرة على تحقيق بصمة لها في المعرض، سألتها: ما هي الأشياء التي كنت ترغبين بها وأنت صغيرة وأتيح لك تحقيقها في المعرض، وما البرامج التي كنت تفكرين بتقديمها في فترة المعرض؟ فأجابت:
كان هناك خطة عامة موضوعة تتعلق بالحديث عن كل جوانب المعرض، وفي الوقت ذاته نخاطب مستمعين موجودين في أوروبا والعالم العربي، وأنا كان يهمني أن يكون هناك جانب تعريفي بالحالة، على سبيل المثال كنت أجري حواراً مع مدير المعرض في أول يوم على مدى دورات المعرض كلها، بعدها تتم جولة في أجنحة المعرض، وكان الناس الذين نلتقيهم يوحون لنا بأفكار، فهناك شخص –أتمنى له الخير- لا أعلم عنه شيء الآن هو الأستاذ عصام الحلبي، كان لديه مكتب سياحة لكنه من عشاق الشعر وأصدقاء عمر أبو ريشة، فأنجزنا معه سلسلة (سياحية ثقافية) مثلاً حلب ومواقعها السياحية وشعراءها وأدباءها، بدءاً من المتنبي وحتى الآن، وفي كل يوم كانت لدينا إطلالة على محافظة طيلة أيام المعرض، فكنا نتحدث عن السياحة والثقافة معاً، وكنا أيضاً نستقبل نجوماً شباباً ومخضرمين والمستمعين أيضاً والضيوف القادمون إلى البلد، وأذكر هنا أنه صادف أن أتت المطربة نجوى كرم لإحياء حفلة في دمشق ولم تكن حفلتها مدرجة على برنامج المعرض، لكنها أتت والتقينا معها وحدثتنا عن المعرض وأهميته، كما ترافقت مع المعرض الكثير من المحطات الجميلة في ذلك الوقت، وهذا ما أسميناه في شعارنا بـ “الخلطة السحرية”، حيث هناك الفن والثقافة والسياحة، والمواضيع الاجتماعية والاقتصادية، ورصد لحركة الناس وانطباعاتهم، ماذا شاهدوا وماذا أحبوا، بالإضافة إلى إجراء مسابقات صغيرة، وأتذكر في إحدى دورات المعرض أنه كانت أغنية جديدة متداولة على ألسنة الناس هي: “ونا مارق مريت” فغنتها لنا طفلة صغيرة بلثغتها الطفولية المحببة، ما أقصده من كلامي أنه في المعرض كنا نشعر بنبض البلد، من خلال اللقاءات التي تحصل، ونشعر أن روح فيروز والرحابنة ترفرف في المكان.

فيروزيات المعرض

وعن ذكرياتها مع فيروز والرحابنة والمعرض وكيفية استحضارهم في هذه الدورة تقول صاحبة الصوت العذب:
سنستحضرهم من خلال ضيوفنا الذين حضروا دورات المعرض السابقة، وهناك معلومات عن الموضوع سنحكيها، وهنا تحضرني حادثة جرت معي في أول مرة أتيت للمعرض كانت في عام 1993، وكنت حينها مسحورة بدمشق والحالة التي تعيشها، دخلت إلى بيت جدي ووجدت جدتي “ثروت خانم” الشهيرة- رحمة الله عليها- جالسة في أرض الديار تعزف على العود، وقد عاتبتني حينها إذ قالت لي: أجريت مقابلات مع كل الناس إلا معي، وأنا أردت أن أعوض لها هذه المقابلة التي لم نتمكن من إجرائها بحكم أنها كانت قد كبرت وغاب عن ذهنها الكثير من الذكريات، فكتبت لها مقدمة ذكرتها فيها، أيضاً هناك مقاطع من حوارات سنبثها -إذا سمح الوقت- مع السيدة الإعلامية رائدة وقّاف، فهي صاحبة الفكرة، وفكرتها جيدة أن يكون هناك أستوديو مشترك مع قناة سورية دراما، علماً أني لا أحب كثيراً الحالة التلفزيوينة، كما يعلم الجميع، لكن الحنين وإحساسي بأن الحالة التي يحضّر لها الآن هي مؤشر على عودة الروح لبلدنا، إضافة إلى أنه كانت لي تجربة مشتركة في إحدى دورات المعرض السابقة في التسعينيات مع الإعلامية رائدة، كان حينها مسلسل العبابيد قد أحدث ضجة كبيرة، فظهرت هي من أستوديو التلفزيون وكان معها الفنان الكبير أسعد فضة، وأنا من أستوديو المعرض، وكانت معنا عبر الأقمار الصناعية الفنانة رغدة من القاهرة، كانت حالة جميلة جداً، لكن اليوم الشراكة مختلفة لأننا سنكون في أستوديو واحد، سيبث البرنامج عبر “شام أف أم” وشاشة “سورية دراما”، وهناك فقرات سريعة نتمنى أن تكون حيوية ونشطة، يعني نحن محكومون بأن ننتبه للصورة والسمع أيضاً، وستبقى برامجنا في الإذاعة مستمرة كما هي عبر التغطيات ورسائل المراسلين، وفي برنامج “دهب الزمان” سنستعيد مقاطع من حفلات أم كلثوم وعبد الحليم في المعرض.
وعن إحساسها أنها ستستعيد شيئاً من الماضي الجميل قالت هيام: هذا الماضي جميل ليس لأنه ماضي، بل لأنه جزء من تاريخ سورية، ويمثل نموذجاً للازدهار السوري، وهذا يمدنا بالقوة أن نقول أننا قادرون على استحضار كل شيء جميل، وأنهم مهما حاولوا تخريبنا -ولو استطاعوا قليلاً- لكن الخلايا الجذعية السورية موجودة وسوف ترمم كل شيء، وأذكر هذا الشيء من حوار أجريناه مع أحد الجرحى المصابين في هذه الحرب المجنونة هو الآن بانتظار الخلايا الجذعية ليستعيد النخاع الشوكي في عموده الفقري المصاب، وأنا أعرف أنه يستطيع، وأنا وهو وغيرنا كثر مؤمنون ببلدنا وبالمعجزات، وهذه هي سورية.

جمان بركات