اقتصادتتمات الاولى

بالتواطؤ بين أصحاب الـ”كازيات” ومسؤولين عن توزيع المحروقات أسواق سوداء متنقلة لـ”المازوت” شرّعها قرار سمح بالبيع داخل الأحياء بـ”البيدونات”

طوابير طويلة، اصطف مواطنون وبائعون فيها ساعات أمام محطات الوقود حاملين بأيديهم عبوات بلاستيكية للحصول على المازوت، وهي الظاهرة الأكثر لفتاً للانتباه طوال فترة الصيف، لكن بأهداف مختلفة كلياً حيث الأول –المواطن العادي– غايته تأمين بضعة لترات تحسباً من أربعينية مثلجة ممطرة مهلكة قد تأتي في فصل الشتاء الذي بات على الأبواب؛ أما الثاني –التاجر- فهمّه جني أرباح خيالية في بضع ساعات عبر مضاعفة السعر في السوق السوداء أو بتهريبه إلى خارج الحدود.

ردود
ليأتي قرار منع محافظة دمشق بيع مادة المازوت بالعبوات البلاستيكية “البيدونات”، في جميع محطات مدينة دمشق الخاصة والعامة، بدءاً من مطلع الشهر الجاري، بردود فعل معارضة من المواطن الذي لم يرَ جهة حكومية واحدة تعلن مسؤوليتها عن توزيع وقود التدفئة، رغم جميع الوعود المصرّح بها منذ منتصف شهر تموز الماضي دون تنفيذ واحد يذكر، أي كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحيناً.
وبالمقابل، كانت هناك إشادات من كل حدب وصوب بالقرار لحدّهِ من نشاط السوق السوداء التي بلغ فيها سعر لتر المازوت 150 ليرة بزيادة قدرها 90 ليرة عن السعر الرسمي المحدد بـ 60 ليرة، ورويداً رويداً تلاشت الآمال بانتهاء المتاجرة بمادة تعدّ من أهم المواد، نتيجة سماح قرار -المحافظة- بتأمين الأحياء الشعبية بمادة المازوت بـ”البيدونات”، عن طريق صهاريج التوزيع المباشر، أي خلق أسواق سوداء متنقلة بعيدة عن أنظار المراقبين المستهجنين للأسواق السوداء الثابتة المتمركزة حول محيط محطات الوقود..
ولو أن النيات “طيّبة”، لكان يفترض أن يكون قرار منع البيع بـ”البيدونات” شاملاً لجميع الأماكن، على اعتبار أن الحكومة ستقوم عاجلاً أم آجلاً بإيصال”المازوت” إلى منازل الأسر؟!.

عادات
إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار أن التحوّلات الحاصلة في العادات الاستهلاكية التي طرأت بفعل الأزمة، ناتجة عن زيادة تكاليف التدفئة أضعافاً مضاعفة عن السنوات السابقة بسبب ارتفاع سعر ليتر المازوت -سواء في السوق النظامية من 35 ليرة قبل عام 2013 إلى 60 ليرة بنسبة زيادة معدلها 40%، أو في السوق السوداء حيث تجاوز 150 ليرة بعد ما كان سعره في هذه الأماكن لا يتجاوز 80 ليرة- وفي ظل عدم توافر المادة بشكل مستمر، تحوّلات دفعت أغلبية المواطنين إلى التوجه من التدفئة على المازوت إلى التدفئة على الكهرباء؛ وبالتالي يمكن الخروج بنتيجة مفادها: أن الفئة المستهدفة من بيع “المازوت” بالعبوات البلاستيكية بين الأزقة والأحياء هم أصحاب المركبات “سرافيس، شحن” والمنشآت الصناعية الأكثر احتياجاً للمادة وليس المواطنين العاديين.
تأكد ذلك بعد إعلان محروقات دمشق أمس الأول عن بدء التسجيل على مادة المازوت المنزلي في مراكز المديرية نهاية الأسبوع الجاري، مشيرة إلى أن إمدادات المازوت متوافرة بالدرجة المقبولة، والجاهزية كاملة لتلبية الاحتياجات للمحطات والطلبات الفردية، وهذا ما ينفي جملة وتفصيلاً، ما يروّج له من نقص في المادة..

حلول
لتنحصر المسؤولية في مؤسسة توزيع المحروقات (سادكوب) والشركات التابعة لها في المحافظات كافة في إيصال المازوت للمحطات، وفي حال بيعه بسعر أعلى فهذه مسؤولية مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وهي رقابة نعتقد أنها ليست بالأمر الصعب وخاصة أن باعة الأمس تجار اليوم يعملون تحت الشمس وعلى مبدأ على عينك يا تاجر، ودون أدنى شك، بالتواطؤ مع أصحاب محطات وقود، ومسؤولين في المحافظات؛ ويستغل تجار الأزمات وجود بعض النقص في تدفق مادة المازوت إضافة إلى استغلال واقع المناطق الساخنة للتحكم بحاجة المواطنين من المادة إن كان لتأمين وسائط النقل أو استجرار مياه الزراعة أو الإنارة.
بالمحصلة سيؤدي استمرار بيع المازوت بالعبوات البلاستيكية لاحقاً إلى ارتفاع آخر في تعرفة المواصلات وفي تكاليف الإنتاج، ويشرعن تسعيرة غير محدّدة متذبذبة، وبناءً عليها تعتمد أسعار عالية لخدمات نقل البضائع والمواطنين، والحل الأفضل للقضاء على السوق السوداء للمازوت يكمن في رفع عدد مراكز توزيع المحروقات والترخيص لمركز أو عدة مراكز في كل منطقة -حسب التوزيع الجغرافي للمدينة- بهدف تسهيل إجراءات التوزيع، ووضع برنامج خاص بالتعاون مع جهات “سادكوب” لتوزيع مادة المازوت على المواطنين في الفترة القصيرة القادمة قبل دخول الشتاء.
دمشق – سامر حلاس