في ندوة أدب الأطفال وأثره في بناء الشخصية وتنمية الإبداع محاولــــــــة جـــــادة للوقــــوف علـــــى دور هــــذا الأدب وخصوصيتــــه
حقاً داخل كل منا طفل صغير، وسعيد الحظ من يستطيع المحافظة على ذلك الطفل، بذكائه وعفويته، وبراعته، فللطفل عالم خاص ليس من السهل ولوجه، وربما كان هذا من أهم الصعوبات أمام الأدباء الذين اختاروا أن يتوجهوا بإبداعهم لهذا الطفل، ومن منا يستطيع أن ينكر ما للأدب بأنواعه المتعددة من دور في تنمية الإبداع، وبناء الشخصية لدى الطفل، وتعزيز قدراته، من هنا أقامت وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، ندوة حوارية حملت عنوان: “أدب الأطفال وأثره في بناء الشخصية وتنمية الإبداع”، وذلك في المركز الثقافي في أبو رمانة، والبداية كانت مع د. وضاح الخطيب، مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب الذي اعتبر أن المعركة الحقيقية التي يجب أن ننتصر فيها هي معركة الوعي، والثقافة، وأن بناء مجتمع صحيح يبدأ من الطفل، مؤكداً أننا إذا استطعنا تحقيق ذلك سننتصر، ونتغلب على جميع التحديات، لأن الطفل هو مستقبل الأمة، وأكد الخطيب أن إقامة مثل هذه الندوة الموجهة للطفل في غاية الأهمية، خصوصاً أن المحاور، والمواضيع التي ستطرح للنقاش لن تقتصر فقط على يوم واحد، بل ستكون بمثابة خطة، وورقة عمل ستستعين بها الهيئة العامة السورية للكتاب في إنجاز واجباتها.
أدب الأطفال والقيم التربوية توءمان
تناول المحور الأول في الندوة التربية، وأدب الأطفال، وأدارت جلسة النقاش القاصة حنان درويش، لتتناول من خلاله أديبة الأطفال أميمة إبراهيم موضوع “القيم التربوية في أدب الأطفال”، معتبرة أن عالم الطفولة عالم رحب من المفترض أن يحظى بالاهتمام على الصعد المحلية، والدولية، مؤكدة أن الدول المتقدمة تضع في خططها أولوية الاهتمام بالطفل، وقدمت عدة تعريفات للطفولة، ومراحلها من وجهة نظر علماء الاجتماع، حيث إن أدب الأطفال، والقيم التربوية توءمان، كل منهما يكمّل الآخر، كما أن العلاقة وثيقة بين القيم التربوية والأدب، كما تناولت إبراهيم الأهداف العامة للتربية في سورية، ومن ذلك تنمية الحس الجمالي لدى الطالب، والقدرة على الإبداع، والاعتزاز باللغة، والتأكيد على شرف العمل، كما رأت أن سمات ثقافة الطفل تتشكل عبر العملية التربوية التي من أهم أهدافها تنمية شخصية الطفل، وغرس روح التضحية، والشجاعة فيه، كما تحدثت إبراهيم عن القيم التي يجب أن تتوفر في أدب الطفل كالقيم الذاتية، ومن ضمنها الوطنية، والإنسانية التي تتعلق بالحرية، والعدالة، والمساواة، وهذا ما سعت إليه مناهجنا المدرسية، وختمت إبراهيم بالتأكيد على أهمية أدب الأطفال كجنس أدبي، إبداعي، له عظيم الأثر في تكوين الطفل، وضرورة إدراجه في الخطط الشاملة لأي عمل ثقافي، وبهذا كانت وزارة الثقافة السورية سبّاقة في الاهتمام به، على حد تعبير إبراهيم.
الهوية اتسمت بالبساطة والعفوية
أما الأديب محمد قرانيا فتحدث في “أدب الأطفال والهوية”، معتبراً أن اشتغال الكتّاب على الهوية في أدب الطفل يهدف إلى تشكيل شخصية الطفل، وتعريفه بثقافته القومية، وإرساء أسس هوية عربية، وفي هذا يوظف أدب الطفولة في حمل هذه الرسالة، من هنا كان اهتمام أدباء الأطفال باللغة العربية الفصيحة لاعتقادهم بأنها من أهم الأركان التي تقوم عليها الحضارة، كما تطرق قرانيا إلى مضمون أدب الأطفال، مؤكداً أن الشخصيات القصصية تطل من خلف السطور، تحمل هوياتها في المكان الذي تتحرك فيه، ليكون أدب الأطفال وطن الطفل، ومشاعره، ومكانه، وهويته، ورأى قرانيا أن الهوية في أدب الأطفال اتسمت بالبساطة والعفوية، وهذا ملمح سلبي، فهي ليست بسيطة، بل عميقة، معتبراً أن لفظ الهوية لم يذكر صريحاً في القصص، بل كان رمزاً، وهدفاً، وغاية تعبر عن الانتماء إلى الوطن، وأعطى قرانيا بعض الأمثلة على ما قدمه للقاص نزار نجار.
سياسة عامة لأدب الأطفال
بدورها تناولت رئيسة دائرة المناهج والتوجيه في وزارة التربية، بثينة الخير، في مشاركتها، دور المؤسسات التربوية، والمجتمع الأهلي في تربية الطفل، بعد أن ذكرت بعض المؤسسات التي لها دور في التنشئة كالتربية، والإعلام، والثقافة، إلى جانب الأسرة، ودور الحضانة، ومؤسسات المجتمع الأهلي، وأكدت أن نحو 42 بالمئة من برامج الأطفال تأتينا من اليابان، والباقي من الدول الغربية، وهي موجهة لمجتمع مغاير لمجتمعنا جغرافياً، وأخلاقياً، والخطورة تكمن في أن الطفل يردد ما يشاهد، ويسمع، لأنه في طور التكوين، واعتبرت الخير أن معظم شركات إنتاج برامج الأطفال الوافدة استعمارية، ومن سلبياتها أنها تعتمد على البطل الخارق، ما يؤدي لخلق طفل اتكالي، لامبال، وانفعالي، يتسم بـ “الغلظة” في التعامل مع الأبوين، كما تحدثت الخير عن الدور السلبي للأسرة أحياناً، وأعطت أمثلة عن الأم التي تدفع أطفالها لمشاهدة التلفاز لتنجز أعمالها، كما أشارت إلى دور المدرسة في تغيير صورة الطفل النمطية، إلى الطفل القارئ، معتبرة أن ذلك يتطلب رسم سياسة عامة لإنتاج أدب أطفال مقروء، ومرئي شامل لكل مراحل الطفولة، ينطلق من حاجات كل مرحلة عمرية.
البحث والتأليف بأيدي من يملكون المعرفة
وفي حديثه عن البحث والتأليف في أدب الأطفال، توقف نزار نجار عند الاتفاق الذي أقيم بين وزارة التربية، واليونيسيف بهدف التحول نحو التربية الشاملة التي تركز على البحث، وحيوية المناهج، وإعطاء الأولوية للطفل، وليس للمنهاج، وتساءل نجار عن مصير ذلك الاتفاق، معتبراً أن ما تقدمه المناهج المدرسية لا يشكّل زاداً كافياً للطفل، وركز على الأخطاء في الكتب، وسيطرة النزعة التوجيهية عليها.
وفي حديثه عن الترجمة في مجال أدب الأطفال، أكد نجار أن الكثير من الكتب تترجم عدة مرات بسبب غياب التنسيق، مركزاً على ضرورة أن يعهد بتصورات البحث والتأليف في مجال كتب الأطفال إلى أشخاص يملكون المعرفة بمواهب، وقدرات الأطفال.
خطة لتقريب الطفل من الأدب
وحمل المحور الثاني من الندوة عنوان: “أدب الأطفال وتنمية الإبداع”، وكان بإدارة أمين تحرير مجلة الحوليات الأثرية موسى ديب الخوري، وفي هذا المحور اعتبرت ميرنا أوغلانيان أن تطور المجتمع يفترض الاهتمام بشريحة الأطفال، لأن هذه الشريحة ستكون مسؤولة إذا ما أعدت بشكل مثالي عن تحقيق النمو الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، وأكدت أوغلانيان أن الطفل يولد بقدرة طبيعية على الإبداع، لكن ذلك لا يتطور تلقائياً إن لم تسانده بيئة مساعدة تكشف الملكات الإبداعية، وتضعها على المسار المفضي لنموها، وهذه القدرة على الإبداع قد تختفي، أو تتحول لأشكال سلبية في ظل البيئة غير الداعمة، كما أن الحالة الإبداعية لدى الأطفال تتجلى بصور مختلفة: قدرات عقلية أدبية، مهارات حسية، وركزت أوغلانيان على دور الأسرة، والمدرسة في هذا الجانب، كونهما تلعبان دوراً مهماً في بناء شخصية الطفل، وتحفيز إبداعه، وغرس حب البحث، والاطلاع لديه، ورأت أوغلانيان أنه من أهم العوامل المساعدة على تنمية إبداع الطفل هو اتباع خطة ممنهجة لتقريب الطفل من هذا الأدب بطواعية، ومحبة دون إكراه، ووظيفة هذا الأدب لا تقتصر على الترفيه، بل نقل المعرفة، وتنمية الخيال، وترسيخ الهوية، وتوقفت أوغلانيان عند أدب الخيال العلمي البعيد عن العنف، والدموية، مؤكدة أنه يفسح المجال أمام الطفل للانفتاح على العالم بشكل صحيح، وبأسلوب مرن، وختمت أوغلانيان بسؤال عن واقع أدب الأطفال في سورية، وهل استطاع القيام بدوره، معتبرة أن هذا السؤال يلقي على عاتق أدباء الطفل الكثير من المسؤولية؟!.
المنطق البعيد عن الخدع
وبدأت راما عمر باشا مشاركتها بسؤال: كيف نجعل الطفل قارئاً؟ ومن أين نبدأ؟ مؤكدة أن الدراسات تعتبر أن الجنين في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل يسمع الأصوات من حوله، ومن هنا تبدأ رحلة القراءة، وأكدت باشا أن الطفل في مراحل عمره الأولى ينحو باتجاه الرسومات، والألوان، وهنا يبرز دور الرسام في إيصال فكرته لعقل الطفل، وأضافت: إن الأدب كفن جميل إذا ما سار على النهج السليم، مراعياً القواعد الجمالية، شكلاً ومضموناً، سيحقق لدى الطفل في كل مكان وزمان شعوراً بالرضا، والسعادة، وتنمية ذوقه الجمالي، من هنا يعتاد الطفل منذ صغره على النظر إلى القصة، ومتابعتها إلى أن يصبح جاهزاً لقراءتها، ومن ثم اعتمادها عادة لا يمكنه الاستغناء عنها، واعتبرت باشا أنه بالإضافة لمتعة القراءة، فإنها تأتي بالفائدة بملء وقت فراغ الطفل، وتوسيع اطلاعه، وتوقفت عند الخيال في القصة، مؤكدة أن الطفل يملك خيالاً جامحاً، لكن لابد أن تكون القصص الخيالية منطقية، بعيدة عن الخدع، لأن الطفل ناقد ذكي.
زيادة عدد المطبوعات الطفلية
وتحدثت د. أمل دكاك، رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق، عن أهمية التنشئة الاجتماعية كعملية يكتسب الفرد من خلالها العادات، والسلوك، والمهارات التي تنتقل إليه من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة، وبموجب ذلك يصبح الطفل راشداً يسهم في نشاط مجتمعه، ويتمثل مطالبه، ويعمل على تطويره، وإحداث التغيير فيه، وأكدت دكاك على أهمية دور الأسرة، والمدرسة، والأصدقاء، ووسائل الإعلام باعتبارها من القنوات الهامة في تنشئة الطفل، وركزت على الوسائل المقروءة كالصحف، والمجلات، والكتب الموجهة للطفل، معتبرة أن المجلات من أكثر الوسائل المقروءة تداولاً بين الأطفال، كونها تتميز بتنوع موضوعاتها، وتوقفت دكاك عند مجلتي أسامة، وشامة، مؤكدة على أهميتهما، وغنى ما يقدمانه للطفل، وأن تطويرهما يكون من خلال اللقاء مع أسرة تحرير هذه المجلات التي تسعى جاهدة لإعطاء الأفضل، وقدمت دكاك في ختام مشاركتها عدداً من الاقتراحات، منها زيادة عدد المطبوعات من الدوريات الموجهة للأطفال، والإعلان عن موعد صدورها في التلفاز، وتوزيع مجلتي أسامة، وشامة على المدارس، ودور الحضانة، والتأكيد على إدارات المدارس، وضرورة الاستفادة من المكتبة المدرسية.
التركيز على الكتابة للأطفال
ختام المشاركات كان مع القاص خليل البيطار الذي تحدث عن أهمية الندوات التي تتناول أدب الطفل، واصفاً إياه باليتيم، وتركزت مشاركته على منشورات الطفل، مؤكداً ضيق زاوية النظر لدى الأهل، والمربين تجاه أدب الطفل، كونهم يعوّلون على الجانب التعليمي المتصل بالحفظ، وإتقان اللغة أكثر من تعويلهم على جانب تربية الذائقة، وصقل القدرات، واكتساب التكيف مع المحيط، والاستفادة من تجارب الآخرين، والاعتماد على الذات في حل المشكلات، فالأهل يعتنون بهندام، وطعام أطفالهم أكثر من عنايتهم بثقافتهم، على حد تعبير البيطار، كما أن المربين لا يتوسعون في مقاربة نص الأدب الطفلي.
ورأى البيطار أن تعديل هذه النظرة يتطلب توسيع عناصر الاتصال بين البيت والمدرسة، لتشمل الطرف الثالث، وهم المعنيون بالكتابة للأطفال من أدباء، ورسامين، ومعدي برامج موجهة للأطفال، لأن الغالب الآن هو الاهتمام بالكتابة للكبار، والكتابة للأطفال تكون فقط على سبيل التنويع، ولفت البيطار إلى الدور الهام الذي تقوم به وزارة الثقافة- مديرية ثقافة الطفل، واهتمامها بالإصدارات الموجهة للطفل، واقترح ضرورة تقليص الهياكل الإدارية، وتوسيع الهيئات الاستشارية المتخصصة لمعرفة عوالم الطفولة، واهتماماتها، وحول ما ينشر من كتب، ودوريات، أكد البيطار أن المنشورات لا تكفي مدينة، أو حياً، مشيراً إلى تراجع ما ينشر، في حين يزداد السكان، مع التأكيد على أهمية الشراكة بين المربين، والمؤسسات، ودور النشر لتعميق الاهتمام بأدب الأطفال.
رافق الندوة معرض يضم كتباً موجهة للأطفال من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، كما تم تكريم الأطفال المشاركين في ورشة الكتابة الإبداعية التي أقيمت بإشراف رئيسة فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب فلك حصرية، والأديبين صبحي سعيد، وبيان الصفدي.
جلال نديم صالح