ثقافةصحيفة البعث

مفهوم النهايات في الأعمال الدرامية

أحمد علي هلال

إذا كان مفهوم «النهاية» في مطلق عمل درامي يحيل إلى ما وقر في الأذهان إلى النهاية السعيدة، وذلك محض تعالق عاطفي، ذلك أن مفهوم النهايات السعيدة على سبيل المثال ظل دأب الأدب والإبداع، ولكن مع الأعمال الدرامية ومنها ما يذهب إلى كسر أفق التوقع، فإن ذلك المفهوم لن يكون ثابتاً أو ناجزاً، فثمة من الأعمال ما يأتي بنهايات مفارقة وغير متوقعة، لطبيعة العمل الدرامي واحتدام خطوطه الدرامية بصدد قيم بعينها أو أفكار، ومنها فكرة الشر الطليق، وبالمقابل الخير الطليق، فمازال خطابنا الدرامي ينوس بين هاتين الثنائيتين، بل يفيض عنهما بكل ذروات الصراع التي غالباً ما تفاجئ المشاهد وتدهشه، وهو الذي اطمأن في ذاكرته الجمعية إلى حتمية انتصار الخير على الشر مثلاً، مناهضاً للسوداوية والفجائعية، والحال أننا وبختام متابعتنا لدراما 2018، ثمة العديد من المفارقات التي حملتها نهايات بعض الأعمال وكمثال «فوضى، والغريب، ووحدن»، لعلنا هنا لا نعثر على النهاية المتوقعة في هذه الأعمال، بعيداً عن الأمثولات الشكسبيرية، والثيمات التي حملتها الدراما والتي عرفناها طويلاً وهي الأقرب إلى جملة من اليقينيات التي تتصالح فيها النهايات لتشي دائماً بانتصار البطل انتصاراً لافتاً، ففي فوضى مثلاً تبدو النهاية أقرب إلى النهاية المفتوحة وما تعنيه من قولها الأخير (لا تشيخ المدن بمرور الوقت ولكن تشيخ بالإهمال) من خطاب تحفيزي لا يغلق النهاية على بضع توقعات، بل يكاد يفتح في أفقها المزيد من الأسئلة حينما تقترب الدراما من الحياة وتحايثها، لكنها لا تشبهها أبداً ولا تتماثل معها، بل تتوسل على الدوام مفارقتها، وفي الغريب يبدو الثأر من ذلك الفاسد ذو منحى فردي، أشبه بخلاص فردي ينهي دورة الغريب الذي يكابد آلام السل مطمئناً إلى نهاية محتومة لمن أقض مضاجع من كانوا إلى جانبه، وكانت إشارة التمائم في مسلسل وحدن كافية لئن تحمل دلالة العمل، أي في الوقوف على الصورة الأخرى لنساء في الحرب، بنماذجهن المختارة ومواقفهن وردود أفعالهن المحسوبة.
في استعادة مفهوم النهايات السعيدة، وخلافاً لما وقر في كلاسيكيات الأدب تبدو الأعمال الدرامية مشغولة بتأثيث وعي مختلف لا يطمأن إلى ما هو سائد، على الرغم من أنه يذهب في مغامرة (سردية/ بصرية)، تحاكي رؤى المخرجين، وتحاول ترجمة نص السيناريو بالصورة، أي أن الصورة هنا أصبحت المعادل الدرامي بامتياز، بوصفها فضاءً مختلفا لا يقل إنجاز شعريته الخالصة عن محاولة ترجمة المقولة، المقولة التي تتعدد بتعدد أزمنتها وشخوصها وأمكنتها، لتظل الحرب خلفية وإطاراً وما يجري هو الحكايات المتواترة للمعذبين والهامشيين، الذين لم يكونوا أبداً على هامش الحرب، ولعلنا هنا نعود إلى وحدن ذلك العمل الإشكالي على مستوى غير لغة عابرة للصورة، ولخطاب الصورة، من المسرح إلى السينما إلى المشهديات واستدخال حمولات رمزية وأسطورية، وكل ذلك يدفع المتلقي إلى تفحص العمل الدرامي عبر أنساق درامية تتطلب تفكيكاً واستيعاباً بعينهما، وبمسائلة الجرأة كمفهوم فني أكثر منه حاجة درامية، وبمستوياتها من الشكل إلى المضمون إلى الأداء الذي يبرع فيه فنانونا، ذهاباً إلى ما يمكن تسميته بالشبيه المختلف، وتلك معضلة في دلالة المفارقة في مفهوم النهايات، وبتعدد الآراء حولها، وبمدى ما تحدثه من استجابة، أو قبول لدى المتلقي بحكم أن تلك الأعمال وسواها من دراما 2018، تحفر مقولاتها في مستوى الأنساق الفكرية، وفي المستوى الآخر تقبل الذائقة الجمعية وبفعل أنها تبث ثقافة متغيرة تعمل في حقول تلقٍ مختلفة بعيداً عن زحمة السوق الرمضاني واشتراطات هذا السوق، وعلى هذه الثقافة أن تفتح في أفق الأسئلة أكثر من أن تجيب على أسئلة بعينها.