ثقافة

أدباء يتجاوزون الواقع في ثقافي كفرسوسة

أقام المركز الثقافي العربي في كفرسوسة أمسية قصصية تحت شعار “مبدعان وناقد” للقاص أحمد جميل الحسن والقاصة هدى الجلاب والناقد أحمد علي هلال الذي أكد على جماليات القصص والتطور الملحوظ في أسلوب القاصين كونه متابعاً لغالبية نتاجاتهما الأدبية، خاصة قصة (حلقة) لـ هدى الجلاب التي دارت أحداثها حول الواقع المعاش في سورية بصورة مواربة، مبررة الجانب الشخصي لأبطال القصة ومتكئة على الجماليات السردية والاستعارات الشعرية التي برزت في القصة بحيث تكون المفاجأة في الختام مرتبطة ببداية القصة ومحملة بالرمزية حيث قالت بلسان الأم عبر حديث متعمد مع ابنتها كناية عن رمزية الفراشة وحريتها بعد لحظات اليأس: (إذا مرت فراشة زائرة مثلاً تحاولين القبض عليها تسألين معترضة لماذا لا نستطيع الطيران؟ ترفرفين بيديك بمرح، تحاولين الارتفاع عن سطح الأرض)، وفي الختام تعود فتمسك زمام الأمور بعد إغراق في بعض التفاصيل في قولها: (تدور برشاقة بين أشلاء ساخنة بأقدام خفيفة وروح حائرة لتطير حرة كما كانت ترغب وتحلم في حلقة ضائعة من شريط زمن عبر)، عائدة إلى رمزية العنوان (الحلقة).
فيما رأى الناقد أحمد علي هلال أن القصة متكئة على الأفعال المضارعة، أي أنها تشي بالتوتر الوارد في النص والحدث، كما تتوضح معطيات اللغة الشعرية غير الفجة وغير المكشوفة بمحكيات القصة ومنطلقها، إذ تحكي القصة (نص حريتها)، لتصبح كلماتها مواكبة لحكاية متخيلة من الواقع الجاري في سورية، حيث تدور سردياتها عبر حوار مقتضب يبدأ بجملة مفتاحية (حول الفراشة) ليقوم النص عليها ويرتبط بخاتمتها مبرراً النزعة الإنسانية نحو التحرر مما يجري والعودة للسلام، في حين تبدى العنوان فجاً صريحاً يكشف النص ويحد من تأويلاته المتوقعة.
وانطلاقاً من ملامح الكلمات الأنثوية عند القاصة هدى الجلاب وتلاقيها بالقسوة والحدة عند القاص أحمد جميل الحسن نجد أن القصتين اشتركتا بمعاناة الشعبين السوري والفلسطيني، فكلتاهما تحدث بأسلوبه الخاص عن الانفجارات والوجع مورداً جملة من الأسئلة والإشارات التي تدور حول ذات المحور في التحرر من الوجع للعودة إلى الحياة الطبيعية، فيما رأى  الناقد أحمد علي هلال أن قصة (غيوم في نهار حار) قد حملت من عنوانها ما يحتمل الألغاز والكناية في إطار مستويين (بلاغي وإيحائي) غير مباشرين، كما احتملت القصة تأويلاً وتفكيكاً منتظماً بالرغم من كون النص طويلاً نسبياً لما يتداخل فيه من منولوج طويل لرحلة المقاتل الفدائي (وعد)، وهنا النص يدلف لمقولات يكشفها التأويل ضمن البنية الحكائية للقصة وتخضع لخصوصية النص (المشهدية العامة، المستوى البصري، والتخييل)، إذ يتحدث الكاتب عن معاناة الفدائي في غزة ولحظات استشهاده بأسلوب معبّر ينم عن فطنة  فكرية لغوية وجمالية تغوص في عمق النص، كذلك كان التوصيف في ما قبل الشهادة لتبدأ تداعيات التنوير المتصلة بإحكام مع سينمائية الحكاية، أي أن الكاتب استفاد من دراما الحدث في تجاوزه الواقع ومحاولة تنضيده بأسلوب أدبي، وهذا ما جمع القصتين معاً.
فيما كان عنوان قصة أحمد جميل الحسن (غيوم في نهار حار) مفتاحاً لبصيص أمل ينبثق من صميم الألم، فكانت الغيوم والعصافير في القصة رموزاً لأطفال غزة ومحاولاتهم المستمرة غير اليائسة للتحرر أولاً وللحياة ثانياً، فبرغم العوز الشديد إلا أنهم يبثون الحياة  براءة أرواحهم، (حدق ملياً، رأى مزق العصافير متناثرة حول بركة الماء الصغيرة، نظر إلى السماء أبصر القرص البرتقالي مازال يضيء السماء).
كما قام النص على مجموعة إشارات ومفاتيح وردت في قوله: (شعر بظمأ شديد، استطلع المكان حوله، تراءى له من البعيد طيوراً تغير على مكان قريب هنيهة ثم تحلق فرادى)، (العصافير وحدها تشعره أنه على أرض فيها حياة)، كما تنتهي القصة بجملة تنبئ باستمرار الأمل فتحمل مدلولاته.. (ابتسم همس قبل أن يسبل جفونه: لم تغب الشمس بعد)، كذلك كان واضحاً بعض الكلمات المشتركة الواردة في القصتين (الوجع، التفجيرات، الغيوم، الشمس) وفكرة الموت في النهايتين بغية بعث حياة أخرى جديدة.
ديمه داوودي