ثقافة

فيسبوكي للعظم

يولد الفيسبوكي من رحم الواقع، ويخرج إلى العالم الافتراضي غراً، يستند في البداية على الآخرين لكي يتعلّم المشي في زواريبه، فيتعثر أحياناً، ويقع أحياناً، حتى يتعلّم الهرولة، ومن يدري ربما يصبح عدّاء خلال فترة قصيرة.
تصقل شخصية الفيسبوكي، ويبدأ باتخاذ مساره الجدي في هذه الحياة الافتراضية، فيقرر الاختصاص، ولحسن حظه أن خياراته كثيرة منها: فن التطبيل والتزمير، فن النقد غير البنّاء، الفن الثورجي، فن الاستشعار عن بعد (الشعر)، فن التأعلم (الإعلام)، فن التخصص في المياعة والفزلكة (للبنات فقط).
يتعلّم الكتابة، لكنه يتعلّم قبلها السرقة، (السرقة المشروعة طبعاً)، فيقلب الصفحات والمجموعات رأساً على عقب كي يسرق “بوستات” من هنا، وصورة من هناك، (بدو يعيش)، وإذا تطورت موهبته، فالاحتمال الأكبر أن يبدأ بعصر مخه، وملاحقة بنات أفكاره الشاردات، السارحات لكتابة “بوست” موقع بخط يده، فإذا لاقى إعجاباً من الشعب الفيسبوكي المعروف بكرمه في عمل اللايكات، (لأنو الدنيا دين ووفا)، فإن صديقنا الفيسبوكي يمكن أن يطوّر أعماله، ويفتح  شغلاً خاصاً، (لأنو ما عاد عم توفي معو)!.
يُنشئ صفحة على سن ورمح باسمه، ويديرها بنفسه، حتى إنه يشغّل عنده بعض الموظفين، (عم يساهم بحل مشكلة البطالة)، ويقسّم الموظفين عنده إلى قسمين:
موظفو الأمن (الأمن الفيسبوكي): يساهمون في حماية صفحته من حالات المداهمة، والتبليغ، والتهكير، وموظفات الإعلان الحسناوات: يساهمن بنشر صفحته، وعرضها على نطاق فيسبوكي أوسع من مبدأ: «كرمال عين “حلوة” تكرم مرج عيون»، يسيد، ويميد الفيسبوكي بلا حسيب أو رقيب، ويشعر أنه سيد العالم، فالأمر لا يكلفه أكثر من تحريك اصبع.
تأخذه الأعمال والأشغال الفيسبوكية من نفسه، وينسى أمر الزواج حتى يلتقي صدفة في أحد المقاهي الفيسبوكية بفتاة جميلة، تتكلم لغات، وتدير مجموعة باسمها، والأهم من هذا كله أنها ابنة عائلة عريقة فوالدها مدير سلسلة من الصفحات المعروفة بهمها الوطني، وأمها سيدة مجتمع فيسبوكي مخملي.
يقضي الفيسبوكي ما تبقى من حياته منعزلاً، مسترخياً، كيف لا وهو قد أدى واجبه على أكمل وجه، ناضل، وكافح طويلاً في الحياة، والأهم من هذا كله أنه أمّن على مستقبل الأولاد، فابنه البكر يدير أعماله حالياً، وابنته المدللة زوّجها لابن مسؤول مهم في إحدى الصفحات.. كم أحسدك أيها الفيسبوكي.. دمت  ذخراً.. ودمتم.

ندى محمود القيم