ثقافة

بعد غيابه لسنوات عن المسرح الاحترافيّ د.عجاج سليم: عملي الجديد “هوب.. هوب” صنعة مسرحية سورية

بعد النجاح الذي حققته مسرحيتهما “نور العيون” كمخرج ومؤلِّف يعود المخرج د.عجاج سليم والكاتب المسرحيّ جوان جان إلى خشبة المسرح في ثاني تجربة مشتركة لهما من خلال العرض المسرحيّ “هوب.. هوب” ويؤكد د.سليم في حواره مع “البعث” أن النجاح الذي حققته “نور العيون” والإعداد المتقن الذي قام به جان لها استدعى بالنسبة له كمخرج الرغبة في تكرار التجربة، مبيناً أن الآلية التي يتعامل بها كمخرج مع الكاتب جان نادراً ما يتمّ العمل بها في مسرحنا وهي تقوم أساساً على استمرار التعاون بين المخرج والمؤلف حتى بعد الانتهاء من كتابة النصّ من خلال تواجد الكاتب أثناء البروفات وبشكل يوميّ لمتابعة ما قد يطرأ على النصّ مع الممثلين على الخشبة، وبالتالي يشير د.سليم إلى أن الكاتب في عمله يصبح جزءاً من فريق العمل اليوميّ وذلك كله بهدف الوصول إلى النتيجة التي يرضى عنها الجميع.
ويذكر د.سليم أن العمل على نص “الجزيرة القرمزية” للكاتب الروسي بولغاكوف التي اقتبسها جان وتم الاتفاق على تسميتها “هوب.. هوب” كان قد بدأ منذ سنوات وقد قام الكاتب جان بعملية الاقتباس بناء على رغبة سليم ليكون مشروع تخرّج لإحدى دورات طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية إلا أن ذلك لم يحدث حينها لأنه اكتشف بعد إنجاز عملية الاقتباس أن النصّ أصبح أكبر من إمكانيات الطلبة.. من هنا فضّل د.سليم حينها تقديم النصّ  الأصلي “الجزيرة القرمزية” كمشروع تخرّج ليتناسب مع آلية عمل مشاريع التخرّج عادةً منتظراً وقتاً آخر لتنفيذ النص المقتبَس “هوب.. هوب”.. ولأن الهمّ كان كبيراً مع  ظهور الأزمة، خاصة وأن ما حصل في سورية فاجأ الجميع وكان من الصعب التعبير عنه مباشرة إلا وجدانياً من خلال القصيدة أو المعزوفة أو اللوحة الفنية، أما مسرحياً فالأمر كان غاية في الصعوبة، خاصة وأن الأزمة طرحت فجأة الكثير من الأسئلة التي لم نكن نتخيّل أننا سنطرحها في سورية بدءاً من المواطَنة ومروراً بالانتماء وصولاً إلى بعض الأسئلة الوجودية، وبالتالي لا يخفي د.سليم أن الأزمة أثّرت روحياً على الجميع فكان أن ابتعد عن خشبة المسرح (باستثناء إشرافه على بعض مشاريع التخرّج) ملتفتاً أكثر إلى القراءة والكتابة، منوِّهاً إلى أنه كتب نصاً مونودرامياً نسائياً عن الأزمة ولا يحتاج اليوم إلا لبعض التعديلات الطفيفة ليكون جاهزاً للنشر، مبيناً أنه حاول تقديمه منذ سنة إلا أنه سرعان ما تراجع عن هذا القرار، لكن ولأن علاقته بالمسرح علاقة حب وشغف ولإيمانه أنه المكان الوحيد الذي يمدّه بطاقة روحية وإنسانية كبيرة ومع تبدد الضباب الذي أحاط بالأزمة بدأ د.سليم يبحث عن نصّ ليعود به إلى المسرح، مشيراً إلى أنه بحث كثيراً بين النصوص التي كُتِبَت بعد الحرب سواء في العراق أو في أوربا والتي تناولت عبثية هذه الحروب ووحشيتها ومعنى الحياة إلا أنه في النهاية عاد إلى مكتبته ووقعت يده ثانية على نص “هوب.. هوب” وعندما قرأ ما كتبه جوان جان وجد أنه مناسب لما يحدث اليوم، وإن كان اقتباس جان لا يتطرق بشكل مباشر للأزمة إلا أن مضمون ما كتبه يتناول الأزمة ببعدها الأوسع.
وعن مضمون المسرحية يشير سليم إلى أنها تعتمد تقنية “المسرح داخل المسرح” حيث تبدأ من مشهد النهاية للمسرحية التي تقدمها إحدى فرق الهواة، وكدليل على النجاح الكبير الذي تحققه يدعو أحد المتعهدين للحفلات المسرحية لتقديمها في أميركا ليبدأ الانقسام بين المشاركين فيها ما بين موافق ومعترض على ذلك، لكن وأمام إغراءات السفر والمال الذي سيُقدَّم للمشاركين والرغبة في التعرّف على عالم جديد وقناعة البعض بضرورة تصدير فننا وثقافتنا إلى العالم الآخر يتجاوز الجميع هذا الانقسام لصالح السفر واستثمار هذه الفرصة التي قد لا تعوَّض لتبدأ المشكلة الأكبر التي لها علاقة بمضمون المسرحية التي في كثير من أحداثها تتحدث عن أميركا الطامعة بخيرات بلادنا ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة، فيطلب المتعهد تعديل ذلك لتكون صالحة للعرض في أميركا فتتعقد الأمور ويتصاعد الصراع بين من يريد ومن لا يريد، ليحسم كاتب المسرحية وبعض أعضائها الموضوع برفضهم الذهاب ومتابعة عروض المسرحية كما هي، ويؤكد د.سليم أن تقنية “المسرح داخل المسرح” مسألة ليست سهلة على الإطلاق، وهو لم يتجرأ على خوض تلك المغامرة إلا بعد أن ضمن أن لديه ممثلين جيدين اختارهم بعناية من خريجي الدفعات الأخيرة بالتحديد، متمنياً أن يكون هذا العرض فرصة لإعادة اكتشافهم من جديد كما حصل مع الراحل نضال سيجري ومريم علي ومهند قطيش في مسرحيته “سفر برلك” ومع محمد حداقي وفادي صبيح في “نور العيون” موضحاً أنه لا يقدم على أي عمل دون أن يكون لديه تصوّر إخراجيّ مسبق، وهذا ما تعلمه بفعل التجربة، فلا يجوز أن يقدم على أية تجربة بشكل اعتباطيّ وعشوائيّ وذلك حفاظاً على الجهد الذي سيُبذَل والوقت الذي سيُستهلَك وبروز أي عنصر يساعد على إغناء العمل أثناء العمل لا يتوانى عن الاستفادة منه.

تجربة أكثر حداثة
ويبين د.سليم أنه أراد أن يقوم هذا العمل على أكتاف الممثلين الشباب الجدد، فروح التجريب في المسرحية تستدعي الاعتماد عليهم، إلى جانب أن طبيعة العمل فيها تقوم على تدريبات دائمة تستمر لمدة تتراوح ما بين 5-6 ساعات يومياً، لذلك كان من الطبيعي برأيه الاعتماد على الشباب الذين يملكون إمكانيات وطاقات جسدية كبيرة، بالإضافة إلى الإمكانيات العالية في الصوت والإحساس وهم لديهم القدرة على الارتجال أثناء البروفات، إضافة إلى قناعته بأن المشكلة المطروحة في النص هي أقرب إلى الشباب الشريحة الأكثر تأثراً بما يحدث اليوم وفي المستقبل، مبيناً كذلك رفضه للقوالب الجاهزة (ممثلون معروفون بأداء معين) في أداء شخصيات العمل خوفاً من أن تتحول إلى شخصيات نمطية سبق التطرق إليها بحيث تكون دلالاتها وأفعالها ومرجعياتها كشخصيات معروفة لدى الجمهور فتساهم في تشويش الرسائل المراد إيصالها.. من هنا كان من الضروري برأيه الاعتماد على الوجوه الجديدة التي تُستهلَك بعد.
ومقارنةً مع الأعمال الكبيرة والضخمة التي أنجزها د.عجاج سليم في السنوات الماضية “سفر برلك-الغول-نور العيون” يؤكد أن مسرحية “هوب.. هوب” من أصعب الأعمال وإن لم تكن بضخامة ما ذُكِر من أعماله التي بذل فيها جهداً كبيراً كمخرج وكان ذلك كله ضمن خطة مرسومة وواضحة، أما في “هوب.. هوب” فهو ينجز تجربة أكثر حداثة بموضوع تكوين العرض على الخشبة، ووجود خط كوميدي خفيف فيه لا يعني أنه الأسهل، خاصة وأنه مؤمن بأن الكوميديا هي الفن الأصعب ولاسيما في ظروفنا الحالية.. من هنا يبيّن أن “سفر برلك” و”الغول” قدمتا بصيغة مسرحية فيها حرفة إخراجية أكثر من “هوب.. هوب” في حين أن الأخيرة تم الاشتغال فيها من قبل الجميع على خلق صنعة مسرحية سورية وتقديمها بشكل عفويّ، وهذا أمر في غاية الصعوبة  وهو متأكد أن المشاهد بعد أن يرى العرض سيقول أنه أمام تجربة جديدة وهذا يجب أن يكون أمراً طبيعياً  له بعد كل تلك السنوات التي أمضاها في المسرح قراءة وسفر واطلاع على تجارب الآخرين  فكل هذه الأمور أغنت  تجربته معترفاً أن الخبرة والتجربة صقلت موهبته وإمكانياته حيث في العمل الفني لا تكفي الشهادات والموهبة برأيه لأن إدارة الفرق وتكوين الممثل يحتاجان إلى الخبرة التي تعادل الشهادة والموهبة معاً، فبفضلها يصبح الإحساس أعمق والرؤية أوضح دون أن يقود ذلك إلى الانفعال، مشيراً إلى أن أشد ما كان يحزنه أن يرى أسماء كبيرة تقدم تجاربها في فترات متباينة دون أن يرى فيها أي جديد، مع أن الزمن يكون قد تغيّر وكذلك الجمهور الذي يضعه في مقدمة اعتباراته، خاصة وأن هذا الجمهور اليوم في سورية هو في سن الشباب وحتى يكون على تواصل معه أي مع جمهور مسرحه يحاول سليم متابعة هوايات هذا الجمهور والاطلاع على أفكاره، ما يحب وما يريد حتى لا ينفصل عنه في أعماله.

أصعب ناقد
ولأن د.سليم يريد أن يشرك الجمهور معه في” هوب  هوب  ” ليبقى مشدوداً للعمل يشير أن الجمهور سيشاهد المشهدين الأول والثاني دون أن يعرف ماذا يحدث إلا بعد فترة وجيزة من خلال الإشارات والشخصيات والحوارات التي قد لا يستطيع قراءتها من اللحظة الأولى، وهذا أمر مقصود لأنه يرفض أن يبقى المشاهد مجرد متلقٍّ فقط بل يسعى دائماً لجعله طرفاً وشريكاً فعالاً في الوصول إلى النتيجة النهائية للمسرحية.
أما مقياس نجاح أي عمل لدى د.سليم فيعتمد فيه على مدى ارتياحه الشخصيّ للجهد الذي بذله فيه مؤكداً أنه أصعب ناقد لعروضه وهو الذي يراجع نفسه كثيراً، يحاسبها ويقف عند أخطائها .
ويختم  د.سليم حواره مشيراً إلى أن المسرح لم يتخلص يوماً من أزماته، وطالما أن حياتنا ما زالت غير مستقرة سيبقى هو كذلك، خاصة وأن المسرح هو أكثر الفنون حساسية تجاه الأزمات والمشكلات وهو أكثرهم تأثراً بها، لذلك لا ينكر أن المسرح اليوم في تراجع أكثر من أي وقت مضى حيث الأزمة أرخت بظلالها الثقيلة عليه.
أمينة عباس