ثقافة

أخيراً أفرجنا عن مخاوفنا

خوفنا من النساء، خوفنا من الرجال، خوفنا من القطط، خوفنا من المناطق المغلقة، خوفنا من الأصوات المرتفعة، خوفنا من الزحام، خوفنا من الظلام.
أخيراً هذه المخاوف وغيرها.. خرجت طليقة من عقالها.. خرجت إلى شوارعنا، إلى حدائقنا، إلى مدارسنا، حقولنا، مكاتبنا، فراش أزواجنا.. خرجت إلى الجامع، إلى المطعم الكبير، إلى المشفى، إلى سيارة القمامة، ولون الشجر وذكرياتنا وتساؤلاتنا. حتى احتباس المطر، حتى وردة الجوري في عيد عشاقنا.
خرجت من سجن شرقيتنا، وشوارب نواطير حاراتنا.. خرجت من معارفنا وأفكارنا، خرجت من جرحنا، من نكسة حزيران فينا، من لهيب تموز في نصرنا، من أملنا وطموحنا، من رغبتنا بالبقاء أحياء. خرجت كلها منا، وعمّ الخواء في دواخلنا والهدوء في مساحات أنفسنا. وتراكم الكسل في مضارب شهامتنا.
من هنا بدأنا نبحث عن أسباب موتنا ووجودنا، عن أسباب حبنا وكرهنا، ولا من خوف ولا من خائف، وفي ظلّ بحثنا وضياع استماعنا للصمت في أنفسنا اخترعنا مخاوف جديدة تخصّنا، اخترعنا، واخترعنا. فكان الخوف من الهدوء، الخوف من الحب، الخوف من الفرح، الخوف من الشبع، الخوف من الراحة الخوف من النعمة، الخوف من الأمل، من النجاح، من الحياة.
ياليتها بقيت مخاوفنا داخلنا، لما كنّا اختزلنا أوطاننا في دمعة أو جرح، ولما كنّا بحثنا عن مدننا تحت بقايا مشاعرنا، ولما كنّا سعينا لامتلاك مخاوف أخرى أكثر غموضاً وأكثر ترقباً وأكثر بخلاً وحرصاً للبقاء أشنيات على كواهل نجاحنا أو حتى انتمائنا.
ولكن إذا كان خطيراً إفراجنا عن مخاوف لنمتلك أخرى وبحثنا عن أوطان داخل أوطاننا. فليس أخطر من أن نكون فقدنا ما يميّز أبعد بيت في حقل القمح في جزيرتنا. أو ما يميّز أشهى رغيف خبز من تنور ساحلنا.
ولأننا لم نفقد ذلك فليس من خطورة على صباحنا ألاّ تغرد فيه عصافير انبعاثنا، وعلى بيدرنا الشرقي ألاّ تجمعه أنامل جميلاتنا. فهنيئاً لنا وطناً أكبر من مخاوفنا وأصغر من أن تصيبه خيبات أملنا.

حسن محمود حسن