ثقافة

أوراق أيلول

يستعد المواطن السوري كل عام لاستقبال شهر أيلول على أنغام الأغنية الفيروزية”ورقوا الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك/ ذكرني وورقو دهب مشغول ذكرني فيك”       لا كما ذهب ظنكم الحسن باستماعه إليها صباحا وهو يرتشف قهوته المنكهة بحبات هيل خجولة من فنجان مزين بالياسمين، ولا بإطلالة بحرية عند المغيب على شاطئ المدينة المكتظ بالعاشقين. ما هكذا يبدأ السوري المخضرم شهر أيلول المحترم  بل يحصّن نفسه بالمعوذات ويلعن الشيطان الاف اللعنات ويعلن اكتئابه حتى إشعار آخر ليس حزنا على ورق أيلول الأصفر بل على أوراق تهمه أكثر.
يلف رأسه بورقة بيضاء ويلبس قلما أسود في يده و يبدأ جولته في حلبة المحاسبة الحرة التي ما إن تبدأ حتى يوقعه أرضا دفتر مدرسي من فئة المئتي ورقه مربعة، يمسح عرقه وينهض متثاقلا محاولا الثبات فالجولة في أولها وأمامه المعركة طويلة. يعود إلى الحلبة من جديد فتلكمه ورقة موجودة على حقيبة مدرسيه صغيرة تتغاوى أمامه برقم يحرق القلب لكنه يقاوم ويحافظ على تماسكه، لابد أن يفعل ذلك فالوقت ليس لصالحه، وخصمه الورقي يتقدم محرزا المزيد من العملات النقدية، يواسي نفسه ببعض عبارات التشجيع والتحميس التي كان يسمعها في مدرجات الملاعب ويتابع.
يتلقى ضربة بوكس على عينيه اليسرى من ورقة ملصقه على جاكيت بدلة مدرسية تذكره بثمن بدلة عرسه فيضطر إلى متابعة الجولة بعين واحدة مغرورقة بالحبر، وبينما يحاول أن يهدىء من روع نفسه يأتيه صوت من المطبخ لينبهه ببدء الجولة النهائيه، وما يلبث جرس البدء بالانطلاق حتى تستقبل عينه اليمنى لكمة من ورقة مستلقية في حضن كيلو من الجوز البلدي تنظر إليه بكل وقاحة وكأنها تشمت به و تطلق قهقهة بصوت عال يشغل انتباهه، فالمسكين لم يسمع مثلها منذ وقت طويل لكن (يا فرحة ما تمت) فالضربة هذه المرة استقرت في بطنه الذي يصفر جوعا لا تشجيعا من ورقة مغناج في حضن “سحارة” من الباذنجان البنفسجي الوسيم  ليقضي عليه المكدوس بالضربة القاضيه ويكون بهذا قد خسر معركته مع هذه الأوراق التي لا تعرف الأدب ولا الرحمة (عليك الرحمة) أيها المواطن.
ندى محمود القيم