التراث الدمشقي العريق ..أمانة و رسالة
رافق مهرجان سورية الخير الذي أقيم مؤخراً في التكية السليمانية بدمشق مجموعة فعاليات عنيت بالتراث ودوره في تشكيل ذاكرة الشعوب ومنها ندوة “التراث الدمشقي العريق أمانة ورسالة” التي سعت إلى التذكير بأهمية التراث الشعبي وبعراقة أثار دمشق وفنها المعماري، وتحدث من خلالها الباحث محي الدين قرنفلة عن التراث الشعبي اللامادي هذا التراث الذي له علاقة بترابطنا الاجتماعي وعلاقاتنا المجتمعية والذي افتقدناه اليوم ولم يعد حاضراً بيننا كما كان قديماً.
مكونات التراث
ومكونات التراث الشعبي اللامادي عديدة ذكرها قرنفلة وابتدأ بالأمثال الشعبية وكل مثل له قصة وهو وليد حدث معين ويحمل الهدف والحكمة والتوجيه فالمثل “جارك القريب ولا أخاك البعيد” يحمل الكثير من الأهداف والمدلولات، وكل الأمثال تتضمن التوجيهات. والمكون الثاني كان الحكايات والمرويات وهي قصص قريبة للأمثال تحمل أهدافاً تربوية فقديماً كانت المرويات التي ترويها الجدات للطفل بطريقة تناسب عقله توجهه لما تريده الجدة عبر قصة صغيرة وليس بالإجبار والعنف، والمكون الأخير كان العادات والتقاليد التي يجب المحافظة عليها لأنها تزيد تواشجنا وترابطنا مع بعضنا البعض.
هوة في انتقال التراث
والتراث الشعبي لم يمت ولم نفقده ولكنه لم ينتقل كاملاُ من جيل إلى جيل وأصبح هناك هوة بين الأجيال القديمة والحديثة – حسبما أشار قرنفلة- ويعود ذلك لعدة أسباب منها دخول العولمة وانتشار وسائل الاتصال المتعددة التي أبعدت الأسرة عن بعضها وأصبح كل فرد يعيش في عالمه الخاص المنعزل ولذلك لم تنتقل القيم والمثل الأخلاقية التي أخذناها من الأجداد، والتي تحمل الحكمة والأهداف التربوية ومعاني الترابط الاجتماعي. فالجيل الجديد لم يتلق هذا التراث بسبب افتقاد الحوار في الأسرة.
حكمة وعبرة
وتحدث قرنفلة عن ذكرياته مع أسرته الدمشقية ومع جدته التي تعلم منها قدسية الماء والشجرة والبيئة فقد كانت تجمع كل أحفادها وتعطي تعليمات صارمة لكن بإنسانية وحكمة المرأة الكبيرة التي تحمل الحكمة المتوارثة، وكبرنا وكبرت قدسية النهر والشجر في داخلنا إلى يومنا هذا ولو اجتمعت جمعيات البيئة كلها لن تستطيع إيصال الرسالة التي أوصلتها إلينا الجدة، هذا هو التراث اللامادي بكل ما نسمعه من كلمات لها حكمة وعبرة توجهنا نحو الأفضل ونحو تقبل الآخر ومحبته واحترامه.
ورأى قرنفلة أن ما يجري على الساحة اليوم بسبب بعدنا عن تراثنا اللامادي وعن قيمنا وتقاليدنا، ونحن كباحثين نعمل على العودة إلى تراثنا اللامادي من خلال المحاضرات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية بهدف تقريب الأمثال والمرويات ليتعلمها الجيل الجديد ويتمسك بها فأي مجتمع نتعرف عليه من خلال أدبه وتراثه الشعبي، وتراثنا غني وحضارتنا راسخة وممتدة عبر التاريخ.
روح الشعب
بدوره اعتبر محمد مروان مراد الباحث في الأدب والتاريخ وعضو جمعية أصدقاء دمشق أن التراث ليس مجرد معروضات تعرض ولوحات تعلق بل هو روح الشعب الممتدة في التاريخ منذ القديم إلى الآن والأرض السورية هي أرض الحضارات، فكم من دولة ومملكة توالت على دمشق وتركت إرثها في هذه المدينة وأصبحت دمشق مخزوناً ومكنوزاً لكل هذه الحضارات ولكن بصبغة الروح العربية.
موروث حضاري
وباعتبار التكية السليمانية التي تقام فيها الندوة معلم هام من معالم دمشق أوضح مراد أن التكية السليمانية موروث حضاري معماري تم بناءه في زمن العثمانيين وتحديداً في زمن السلطان سليمان القانوني وأقيم بداية كمدرسة للحجاج الزائرين وطلاب العلم وكانت تحوي غرفاً يقيم فيها هؤلاء الوافدون إلى دمشق فكانت مركزاً عظيماً ضم مسجداً ومتحفاً وسوقاً للمهن اليدوية والتراث ومدرسة، وهي تجمع ثلاثة أشياء أولها روعة العمارة الإسلامية من أقواس وزخارف وساحات، وثانيها جمالية الروح العربية بالنباتات والصخور والمياه وآخرها هو أبناء مدينة دمشق الذين حافظوا على التراث وطوروه وزادوا عليه.
رائحة الماضي
وأضاف مراد: كل شيء يبقى جامداً ما لم نعطه الروح وعندما نكتفي بجماليات العمارة تكون حجارة فقط، ولكن عندما تتدفق فيها الروح التراثية يصبح هناك نسيج من المادة والروح ونحن نشم رائحة الماضي والأجداد في بناء التكية.
وختم مراد بقوله: علينا أن نواصل دورنا الحضاري وأن ننقل ما تركه الآباء الأجداد لأجيالنا القادمة، وأن نواصل حماية هذا التراث والحفاظ عليه فهو ينطق بجمال بلاد الشام التي هي قطعة من الجنة وشعبها شعب عريق جبار لا ينكسر.
لوردا فوزي