ثقافة

“المكالمة الهاتفية ” الحاسة السادسة كشفت مسرح الجريمة وأنقذت الضحية

أحياناً تنبئنا الحاسة السادسة بأشياء تحدث معنا فعلاً وأحياناً تكشف لنا مشاعر الآخرين تجاهنا لكن في فيلم “المكالمة الهاتفية ” كانت الصوت الصامت في داخل جوردان الذي قادها في عتمة الليل وعلى ضوء القمر إلى مسرح الجريمة لتنقذ الضحية في اللحظة الأخيرة ،في حين كان فريق الإنقاذ يتابع عمله دون جدوى .
ورغم أن المحور الأساسي للفيلم تناول الجريمة المتكررة التي تبدأ بالاختطاف وتنتهي بالقتل إلا أنه حمل بين ثنايا مشاهده الكثير من المضامين الإنسانية والأخلاقية والمفارقات المؤلمة ،والعقد النفسية التي تتمكن من الإنسان وتحوّله إلى مجرم .وفي منحى آخر كشف  المخاطر التي يتعرض لها المجتمع الأمريكي الذي يفتقد إلى الأمان والأساليب الدقيقة التي تتبعها الشرطة للملاحقة ومعرفة هوية الشخصية .
الأمر اللافت في الفيلم تجسيده مراحل الجريمة بلغة واقعية مباشرة بعيدة عن التقنيات والمؤثرات المركبة ورغم ذلك نجح المخرج بصناعة فيلم عُدّ من أكثر الأفلام إثارةً ،وتميّز أيضاً بالأداء المقنع للممثلة هالي بيري (جوردان )لاسيما في اللقطات الشائقة التي تعامل معها المخرج بصمت مطبق لتكون المشهدية البصرية البعيدة عن أية مؤثرات هي البطل .
فجوردان العاملة في الشرطة قسم الطوارئ تخاطر بنفسها لتفي بوعدها للضحية كيسي بأن تنقذها لترى أمها ثانية ،وتتمثل مقولة والدها بأن اللحظة الزمنية قد تكون الحد الفاصل بين أن تجعل الإنسان ميتاً أو حياً ،ويتطرق الفيلم أيضاً من خلالها إلى تفسيرفلسفة ارتكاب بعض الأشخاص أخطاء غير مقصودة نتيجة إحاطتهم بأوضاع متوترة تنتج عنها أمور سيئة ،تترك أثراً بداخلهم فيعالج إحدى طرق  تجاوزه كما حدث مع جوردان حينما تلقت مكالمة من المراهقة ليما تخبرها باقتحام لص منزلها وتواصلت معها ريثما يأتي فريق الإنقاذ ،فيقطع الاتصال وبلحظة غير إرادية تفقد جوردان أعصابها وتعاود الاتصال فيسمع المجرم رنين الهاتف ويتمكن من الضحية ..ليعلن التلفزيون في اليوم التالي نبأ وفاتها والعثور على جثتها مدفونة ،إثرذلك تبتعد جوردان عن التواصل مع المكالمات طيلة ستة أشهر إلا أن تبدأ عقدة الفيلم ،في منحى آخر يظهر الفيلم الانسياق وراء الأقدار التي تضع أبرياء في مسار تنفيذ الجريمة يدفعون الثمن كقتل المجرم مايكل الرجل صاحب السيارة السوداء بالمجرفة ثم طعنه لأنه يلاحق سيارته ويلاحظ أنه يختطف كيسي ويخبئها في صندوق السيارة ،وكإشعاله النار في العامل في محطة الوقود بعد أن فتح أنبوب البنزين عليه لأنه رأى كيسي تلوح بيدها وحاول إنقاذها .تنطلق أحداث الفيلم من مركز الطوارئ في لوس أنجلس ورقم (911) لايهدأ عن الرنين طلباً للنجدة من أحداث سرقة أو جرائم قتل مفتعلة أو غير مقصودة. رنين الهاتف أعاد القدرة ثانية لجوردان لتتواصل ثانية مع الضحية حينما سمعت نداء كيسي التي تم اختطافها من مرآب أحد (المولات ) الكبيرة ووضعها في صندوق السيارة ،وبإحساسها المرهف تكتشف الخط الرابط بين هذه الجريمة وجريمة قتل ليما فتتابع مع كيسي على الهاتف تفاصيل الأحداث وتطلب منها تنفيذ أقوالها ليتم إنقاذها ومعرفة مكانها لكن دون جدوى .وبعد المتابعات الدقيقة يصل فريق الإنقاذ إلى منزل مايكل ومن ثّم إلى الكوخ القديم لأسرته في اللحظة التي يستعد فيها  لتنفيذ جريمته دون أن يكشفوا مكانه فيعودون ،وفي الوقت الذي تطلب فيه رئيسة القسم من جوردان العودة إلى المنزل لتستريح لأن فريق الإنقاذ يقوم بالمتابعة نصل إلى ذروة الأحداث حينما تنصت جوردان إلى ذاك الصوت الخفي، فينجح المخرج بتصويرمشاهد مرعبة تعود بنا إلى الوراء وتفسر بعض اللقطات التي بدت غريبة في بداية الفيلم مثل مشهد وضع كمامة على فم ليما وتخديرها والعثور على جثتها صلعاء ،وتتضح الأحداث أكثرعندما يفك لغز الجريمة ويربط المخرج بين خطوط تفاصيل صغيرة تقود إلى الحدث مثل صوت ارتطام حاملة العلم الأمريكي مع العامود الذي سمعته جوردان من خلال الهاتف أثناء تواصلها مع كيسي فيقودها إلى القبو القريب من الكوخ الذي يستخدمه القاتل لتنفيذ الجريمة ،ثم عثورها على غطاء القبو ومن ثم رؤيتها بداخله الصور الفوتوغرافية لمايكل وشقيقته الشقراء وصورها بعد أن فقدت شعرها وأصبحت أشبه بهيكل عظمي إثر إصابتها بالسرطان، مما يفسر العقدة النفسية المؤلمة التي كانت إزاء ملاحقة مايكل المراهقات الشقراوات وقتلهن بعد اقتلاع فروة رؤوسهن والاحتفاظ بشعورهن في إحدى زوايا القبو بحثاً عن خصلات شعر تشبه شعرشقيقته ،وهنا يتمكن المخرج من الربط بين عمل مايكل كفني طبي وكيفية تنفيذه الجريمة .في المشهد الأخير يضعنا المخرج أيضاً إزاء مفترق الطرق فبعد أن تتمكن جوردان من ضرب مايكل وخروجها مع كيسي من القبو وحملها الهاتف اعتقدنا أنها ستتصل ب911 لطلب النجدة، لكنها تفاجئنا بعد انقطاع الكاميرا بأنها مع كيسي داخل القبو ومايكل استعاد وعيه وتم تثبيته على الكرسي المستخدم في عيادة طبيب الأسنان وقرارها بأن تتركه ليموت وتردد الجملة التي كان يرددها أثناء تنفيذه جريمته وهي تطلب منه التراجع على الهاتف ” لقد فعلت “.جاء الفيلم بتوقيع المخرج بريد أنديسون وسيناريو ريتشارد ديفيد إنتاج 2013 .
ملده شويكاني