خـيـــار الـنـجـاح
بقلم: الرفيق عماد خميس
عضو القيادة القطرية للحزب – وزير الكهرباء
أياً يكن مستوى النجاحات الفردية وميدانها، فإن التجربة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع أثبتت أن تلك النجاحات تبقى محكومة بزمن معين وظروف خاصة، أي إنها تفتقد للاستمرارية ولمساحة التأثير المطلوبة.
وفي هذا المجال تشير نتائج الأبحاث، التي استهدفت بيئة الأعمال في كثير من الدول، الى أن معظم الشركات الاقتصادية الفردية كانت تتلاشى تماماً أو يضعف تأثيرها مع تسلم الجيل الثالث من الورثة مسؤولية إدارتها، فيما استطاعت شركات مشهورة أن تحافظ على وجودها ونجاحاتها لعقود طويلة من الزمن بفضل تحولها الى شركات مساهمة، تتولى فيها القيادة الجماعية مسؤولية العمل.
ولهذا السبب، تبنت سورية قبل عدة سنوات مجموعة من التشريعات والإجراءات المشجعة على تحول الشركات العائلية والفردية، التي تشكل مايقرب من ٪80 من خارطة العمل الاقتصادي في البلاد، الى شركات مساهمة تعتمد الشفافية والإفصاح والقيادة الجماعية كأسس رئيسية في مسيرتها المهنية. وقد كانت هناك مؤشرات إيجابية على تجاوب تدريجي لقطاع الأعمال مع هذا المشروع، لكن بدء الأزمة، وماشهدتها من استهداف إرهابي ممنهج لمجمل النشاط الاقتصادي، تركا تأثيراً سلبياً على تنفيذ ذلك الطموح.
أيضاً كانت هناك محاولة لتسييد العمل الجماعي في مؤسسات الدولة، لكن انحرفت عن مسارها ولم تجد طريقها للتنفيذ وفق ماخطط لها، فالتوجه لتفعيل مجالس الإدارة واللجان في المؤسسات والشركات العامة اصطدم بعقبات عدة كان أبرزها بعض الخيارات التي لم تكن تحمل رؤيا إيجابية صحيحة، والخلط بين صلاحيات ومسؤوليات مجالس الإدارات واللجان، وبين صلاحيات ومسؤوليات المديرين العامين.. وغيرها.
وإذا كانت مثل هذه العقبات يمكن أن تعالج بقرار تصدره الحكومة هنا، وبمزيد من التأني والعلمية في انتقاء الكفاءات والخبرات هناك، فإن العقبة الأهم، والتي تحتاج الى استراتيجية عمل حقيقية، تتمثل في مواجهة شيوع ثقافة العمل الفردي والاستفراد في اقتراح وصناعة القرار، ولا نبالغ إذا قلنا: إن العمل على مواجهة تلك الثقافة يتساوى في أهميته وقيمته مع العمل على مكافحة ثقافة السلبية في المجتمع.
العمل على مواجهة ثقافة العمل الفردي لصالح ثقافة فريق العمل الجماعي يتطلب التركيز على محورين هامين:
– المحور الأول خاص بأهمية العمل الجماعي ونتائجه بالنسبة للوطن والمواطن لاسيما في هذه الظروف الاستثنائية، فمع هذا العمل تكون فرصة اقتراح الحلول الجديدة على مختلف المستويات الوظيفية والمؤسساتية أفضل، واستشراف القادم من فرص وتحديات أدق، وتنفيذ الخطط والمشاريع الإنتاجية والخدمية أنجح، واستغلال الإمكانيات والموارد الوطنية أكثر جدوى.. وغيرها.
بتوضيح أكثر، مع العمل الجماعي لن تكون هناك فرصة للتجريب والاجتهادات الشخصية والقرارات الخاطئة وتذبذب أداء المؤسسات مع كل تغيير إداري، وإنما سيكون هناك عالم جديد من النجاح، وتعزيز الثقة، وتوسيع مساحة الرضا الشعبي عن أداء هذه الجهة أو تلك.
وبذلك نكون قد اقتربنا من تحقيق بيئة العمل المؤسساتية النموذجية، الضامنة للنجاح والنهوض بالوطن، وهذه هي رؤية الأمين القطري للحزب – رئيس الجمهورية الرفيق الدكتور بشار الأسد منذ خطاب القسم الأول، القائمة على ضرورة مأسسة العمل، والاهتمام بالتدريب والتأهيل.
– أما المحور الثاني فهو يتعلق بالفرد ذاته أياً كانت مهمته ووظيفته، وما يمكن أن يحققه من نجاحات وتطوير لإمكانياته ومهاراته مع انخراطه في العمل الجماعي، فالمسؤول الذي يؤمن بالعمل الجماعي تكون فرصة نجاحه بأداء مهامه أكبر، والعامل يحقق غايته في تدرج وظيفي وخبرة أوسع أو على الأقل فإن ماسيبذله الجميع من جهد وماينفقونه من وقت في إطار العمل الجماعي يبقى هو الأقل، لكنه الأكثر مردودية وعائدية.
وهذه الثقافة في العمل الجماعي تجعل القطاعات الاستراتيجية والاقتصادية والخدمية تتمتع بمؤشرات تقييم عالية وفعالة تضمن استقرارها وأحد هذه الأمثلة العاملون في قطاع الكهرباء الذين عاشوا عن قرب النتائج المثمرة لثقافة العمل بروح الفريق، فعاملونا الذين يخاطرون بحياتهم منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة لإصلاح الأعطال والأضرار، التي تتعرض لها منشآت المنظومة الكهربائية، يقدمون مثالاً لأهمية تكامل الجهود بين العاملين وتبادل وجهات النظر.
بالنظر الى حجم التحديات التي تواجهها بلادنا الغالية، سواء فيما يتعلق بالحرب الشرسة، التي تستهدف في جزء منها النيل من صمود مؤسسات الدولة وتعطيلها، أو مايتعلق بإعادة الإعمار، فإن الرهان سيكون على العمل الجماعي للسوريين، أينما وجدوا ومهما كانت مهامهم ومسؤولياتهم وأعمالهم، فهم لم يعرفوا سابقاً إلا النجاح.. وتالياً لن يكون أمامهم اليوم ومستقبلاً من خيار سوى النجاح.