بين قوسين روميو “السبكي” وجولييته!!
احتضنها كروميو وقبّلها كالأميرة النائمة، فأيقظ في كل من رآه مشاعر الاستياء رفضاً لذلك المشهد الذي بات حاضراً بكثرة في شريط يومياتنا، وهذه الحميمية العاطفية التي رأيناها في حديقة السبكي بمشاهدها المتكررة والمتعددة تثبت تساقط المنظومة الاجتماعية في أفخاخ الحياة المعيشية بمستجداتها المتقلبة والجانحة نحو المزيد من التقهقر الأخلاقي، بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني الانزلاق في هذا التقهقر الذي شكلت الأحداث بيئة خصبة له، وللأسف اكتسب من باب سلطة الظروف الاستثنائية ما يمكن أن نسميه صفة الشرعية التي أدرجت ما تضمره ظواهره المختلفة من مخاطر على الحاضر والمستقبل وحتى على الماضي في خانة الأمر الواقع.
وتكمن الغرابة فيما نشاهده على مدار الساعة في الحدائق العامة والشوارع والكثير من الأماكن الحاملة لصفة مشتركة بين العام والخاص كالكافتريهات والمقاهي والمطاعم في كونه تخطّى الخطوط الحمراء بطريقة فجة (وقحة) لا تأبه بالعادات والتقاليد أو حتى الآداب العامة التي تمنح مجتمعنا نوعاً من الحصانة الأخلاقية، كما أن تعدّد وتنوع الشرائح العمرية التي ترتكب هذا التخطى بات مقلقاً على الساحة الاجتماعية، ومثيراً للكثير من التساؤلات التي تنخرط في دائرة البحث المكثف عن خصوصية المجتمع الشرقي الذي تختلط أوراقه وتضيع سماته في تبعثر القيم وانحطاط المفاهيم وانحلال عقدة “العيب”، وطبعاً كلامنا هذا لا يعني أن مثل هذه الاختراقات المجتمعية والتصرفات المتمردة على المجتمع وعلى قواعد حياء الأفكار الشرقية لم تكن موجودة في السابق، بل هي محاولة لدق إسفين جديد في حقيقة حياة الناس التي دمّرها الإرهاب وخرّبتها حرية النزوح والتشرد، وأخرجتها فواجع الأزمة بأبطالها من المستثمرين وتجار الأزمات خارج السيطرة، حيث يُسجلُ غياب واضح لإجراءات الرقابة والحماية الاجتماعية التي تتخذ من النأي بالنفس عن الواقع موقفاً ثابتاً حيال هذه القضايا التي تحشر دائماً في صيغة التماس الأعذار للآخرين وتبرير تصرفاتهم تحت عنوان كبير “ضحايا الأزمة”.
وما يؤلم أكثر مع انعدام الحلول والمعالجات على المستويين المجتمعي والرسمي، أن حلقات سيناريو التشويه والانحدار الأخلاقي والاجتماعي ستكون طويلة، ولن يكون من السهل تصحيح المسار والسيطرة على جموح المحرمات في هذه المشاهد التي تجتاح كل الأماكن، وبكل تأكيد لن تكون الحلول بإخلاء الحدائق العامة من النازحين من مناطق مختلفة، ومصادرة ما يمكن أن يدرجه البعض تحت بند الحريات الشخصيّة، بل لابد من عمل جماعي وتعاون بين المجتمع الأهلي والجهات المعنية لاستيعاب هذا الواقع وضبط الفوضى، والتخفيف من تداعياته الكبيرة التي تجعل منا جميعاً مجرد كومبارس نافخ بالقرب المقطوعة؟!.
بشير فرزان