نجاة قصاب حسن.. الدمشــــــــقي الأصيـــــــل
رجلُ علمٍ وفكرٍ وحضارةٍ ومحبة، هو ذلك الرجل القانوني الحاذق، والصحفي والكاتب اللامع، والمحدّث الجذاب، والموسيقي البارع، ورسام الكاريكاتور، والخطاط الأنيق، وقبل كل شيء الدمشقي الأصيل العريق الظريف.. ولذلك كان من الصعوبة بمكان على المشاركين، أ.نصر الدين البحرة ود.علي القيم، في الندوة التي أدارها الباحث أحمد بوبس، وعُقدت مؤخراً في مركز ثقافي “أبو رمانة” ضمن سلسلة “أعلام خالدون” الحديث عن كل هذه الاهتمامات التي أخلص لها نجاة قصاب حسن في حياته الغنية.. من هنا فضَّل نصر الدين البحرة أن يخصص الجزء الأكبر من حديثه عن تلك المواقف الطريفة التي اشتركا فيها، أو تلك التي كان شاهداً عليها لما عُرِف عن قصاب حسن من روح النكتة والدعابة.
حديث دمشقي
يشير البحرة بدايةً إلى أن الحديث عن قصاب حسن هو الحديث عن دمشق خلال القرن العشرين، وهو الذي تنقّل ما بين السياسة والثقافة، تاركاً وراءه إرثاً ثقافياً كبيراً، تأتي في مقدمته ثلاثة كتب هامة يحتار المرء حين قراءتها كيف يصنف قصاب حسن: كاتباً أم مؤرخاً أم باحثاً فولكلورياً أم فناناً أم صحفياً أم رساماً أم موسيقياً، مبيناً أنه في كتابه الأول الذي صدر تحت عنوان “حديث دمشقيّ” استوفى فيه الحديث عن دمشق بكل أعرافها من الألف إلى الياء، رغم أن الشام لا يمكن حصرها بين دفتي كتاب، إلا أن الكتاب بحرفيته الكتابية يتطرق للعديد من الأمور الدمشقية، من الجغرافيا إلى العادات إلى التاريخ إلى السيرة الذاتية إلى التوصيف إلى الموروث الشعبي.
ورداً على كتاب بشير العظمة الذي حمّل جيله الهزيمة، أصدر قصاب حسن كتاباً بعنوان “جيل الشجاعة” ليصدر فيما بعد كتابه الثالث “الحبّة والسنابل” مؤكداً البحرة أن أي حديث عن قصاب حسن لا بدّ وأن يضع في الاعتبار هذه الكتب الثلاثة القيّمة.
صاحب أقدم سيناريو سينمائي
في حين يصف د.علي القيم قصاب حسن بالمبدع العملاق، لذلك ومنذ رحيله لم يشعر بأنه غائب لأنه ترك آثاراً لا تحصى، مبيناً أنه لا يمكن أن ينسى أن قصاب حسن كان من أوائل الذين كتبوا عن كتابه الأول الصادر عن وزارة الثقافة بعنوان “إضاءات في الذاكرة القديمة” عام 1983 كما لا يمكن أن ينسى كيف كان يدعوه في أوائل التسعينيات لإلقاء المحاضرات في صحنايا تنشيطاً للحركة الثقافية في ريف دمشق، ليشتركا معاً فيما بعد على مدى عدة أشهر في لجنة لجمع وتوثيق التراث الموسيقيّ السوريّ، مبيناً أن قصاب حسن اشتغل كثيراً على هذا التراث، وقد كان له تجارب مهمة في مجال الموسيقى العربية، وهو الذي تعلّم العزف على آلتَي الكمان والعود في مطلع شبابه، وأدار المعهد الموسيقي الشرقي عام 1950 وكان خبيراً في الموسيقى العربية، وقد كتب عدداً لا بأس به من الأغاني التي قام أيضاً بتلحين بعضها، مسّجلاً بعضها للإذاعة والتلفزيون، ويؤكد القيم أن لقصاب حسن ميولاً فنية متعددة، فهو مثلاً أول من أدخل بريخت إلى المسرح السوري من خلال ترجمته لمسرحية “الاستثناء والقاعدة” التي أخرجها شريف خزندار عام 1961 وكانت من التجارب الأولى في تقديم بريخت في العالم العربي، كما أنه صاحب أقدم سيناريو سينمائي في المؤسسة العامة للسينما من خلال فيلم “سائق الشاحنة”.
ويشير د.القيم كذلك إلى تميّز قصاب حسن بمهارته في رسم الأشخاص، وقد ترك ما يزيد على ألفَي صورة من هذا النوع تمثل القضاة والمحامين والصحفيين والأدباء والفنانين والأصدقاء والناس العاديين الذين كان يلتقيهم بحكم عمله، والبعض يعدّ هذه المجموعة توثيقاً بالصورة لأهم وجوه المجتمع السوري، مذكراً بأنه كان قد افتتح معرضاً له قبل وفاته بفترة قصيرة لتقيم له مكتبة الأسد بعد وفاته أيضاً معرضاً استعادياً لبعض هذه الرسوم ضمن فعاليّات معرض الكتاب الخامس عشر عام 1999.
وعن قصاب حسن الصحفي والكاتب يبين د.القيم أنه عمل في الصحافة المكتوبة منذ العام 1935 وفي العام 1947 شارك مع نشأت التغلبي وحسيب كيالي ويحيى الشهابي وعزة الطباع والشاعر نزار قباني في إصدار مجلة رابطة محرري الصحف أطلق عليها اسم “عصا الجنة” وبدءاً من العام 1952 خصصت له صحيفة الرأي العام زاوية يومية بعنوان “بالعربي الفصيح” تناول فيها بالنقد الأحداث السياسية والاجتماعية اليومية، كما عمل في مجال الصحافة الساخرة التي راجت كثيراً في سورية في النصف الأول من القرن العشرين، فأصدر مجلتين كانتا تكتبان باليد، إحداهما باسم “القزيطة” وهي تنتقد بكثير من السخرية والدعابة أجواء القصر العدلي، والثانية باسم “القنديل” تتناول عالم الأدب والأدباء، كذلك أسهم إلى جانب الأدباء سليمان العيسى وصدقي إسماعيل وغازي أبي عقل وغيرهم في تحرير مجلة “الكلب” وأشرف على تحرير صحيفة “البعث” الصادرة بالفرنسية في مطلع السبعينيات.
ويؤكد د.القيم أن ما أطلق شهرة قصاب حسن بصفته القانونية بين الجمهور الواسع البرنامج الإذاعي اليومي “المواطن والقانون” الذي استمر في تقديمه بدءاً من عام 1952 مدة خمسة وعشرين عاماً، وكان يجيب فيه على أسئلة المواطنين حول المشكلات القانونية والاجتماعية، بالإضافة إلى ما قدمه في التلفزيون السوري من برامج كالبرنامج الأسبوعي “محطات تلفزيونية” الذي عالج فيه علاقة القانون بالحياة، وبرنامج “ومضات” الذي تناول فيه قواعد السلوك المدني للمواطن.
ويختم القيم كلامه مبيناً أن لقصاب حسن مكانة في ذاكرة كل مواطن سوريّ، وهو الذي كان دمشقياً بكل معنى الكلمة ورجلاً عصامياً، بنى نفسه بنفسه، وبالتالي فإن الحديث عنه لا ولن ينتهي.
أمينة عباس