تظاهرة ثقافية احتفاءً بمرور خمسين عام على اكتشاف إبلا
إبلا بجبروتها اللامتناهي وحضورها الطاغي ومكانتها العظيمة، تلك المدينة الراسمة حدودها قبل التاريخ على تخوم المجد، نراها إلى يومنا هذا تخبرنا المزيد وتعطينا ما لم يتكشف بعد وهي اليوم حاضرة معنا في التظاهرة الثقافية “خمسون عاماً على اكتشاف إبلا – تل مرديخ” التي أقامتها أمس المديرية العامة للآثار والمتاحف في القاعة الشامية للمتحف الوطني بدمشق برعاية السيد وزير الثقافة عصام خليل، وقد تحدث معاون وزير الثقافة ماهر عازار عن أهمية اكتشاف مدينة إبلا تل مرديخ من قبل البروفسور باول ماتييه وبعثته الأثرية البعثة التنقيبية التي سلطت الضوء على أهمية الحضارة السورية القديمة ودورها وتأثيرها وتأثرها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية كما تحدث عن المواقف النبيلة للبروفسور ماتييه تجاه سورية وشعبها ووقوفه إلى جانبها في مواجهة الهجمة التي تستهدفها حجراً وبشراً وأكد عازار تعرض الموقع الأثري في مملكة إبلا لبعض الإضرار لكنه بنفس الوقت أثنى على دور المجتمع الأهلي الذي كان له دور في تقليل الأضرار التي لحقت بالموقع بالتعاون مع العاملين في مجال الآثار، وأمل عازار ألا يقتصر دور المجتمع الأهلي على مدينة إبلا وحدها بل أن يشمل جميع الأماكن الأثرية التي تعبر عن أصالة الحضارة السورية.
الوجه الحضاري لسورية
كما أكد المدير العام للآثار والمتاحف د. مأمون عبد الكريم إن المعلومات والوثائق التاريخية والكتابية التي قدمتها أعمال الأستاذ ماتييه على الأرض السورية في إبلا قدمت للعالم الوجه الحضاري لسورية خلال الألف الثالث والثاني قبل الميلاد وغيرت المعتقد الخاطئ بأن سورية خلال ذلك التاريخ كانت مجرد نقطة عبور بل أكدت أنها كانت ذات طابع خاص ومتميز ومستقل ومواز للحضارات الكبرى في الأصالة والإبداع الفكري، وأشاد عبد الكريم بالموقف الرائع والمنصف الذي وقفه الأستاذ ماتييه في كل المحافل العلمية من قضايا الحق العربي رافضاً تسييس التراث الأثري السوري بسبب ظروف الأزمة الحالية التي تمر بها سورية.
البعثات الأثرية ستعود
بدوره أكد البروفسور باولو ماتييه عبر السكايب أن المكتشفات الأثرية في إبلا أجابت عن الكثير من الأسئلة مؤكداً أن البعثات التنقيبية الإيطالية استمرت بالعمل في سورية حتى حدوث الأزمة التي حالت دون ذلك ونوه ماتييه بالتسهيلات التي قدمتها الدولة السورية لعمل البعثات وتحدث بإسهاب عن إبلا من حيث الموقع والأجزاء والدور التاريخي الذي قامت به والذي يضعها في مقدمة أهم الأماكن الأثرية على مستوى سورية والعالم كما ذكر الأبحاث والكتب والندوات التي مازالت مستمرة عن إبلا بالرغم من توقف أعمال التنقيب، ولم يخف ماتييه أسفه على ما تتعرض له سورية من هجمة تستهدف أرضها وشعبها وثقافتها وتراثها الحضاري مطلقاً وعداً بأن البعثات الأثرية الإيطالية ستعود لسورية لتقوم بأعمال التنقيب ما إن تستقر الأوضاع بانتهاء الأزمة.
نظاماً معقداً للحكم
كما تحدثت الباحثة فرانس بينوك من إيطاليا عبر السكايب أيضاً وعنونت بحثها بـ “المرأة في محكمة إبلا – الخصوصية السورية” معتبرة أن دراسة المكتشفات الأثرية بالاعتماد على القصر الملكي تؤكد البنية المعقدة للحكم الذي كانت تعتمده إبلا والذي يستند إلى عائلة مالكة ووزير وإداريين ووجهاء، كما تحدثت بينوك عن الاكتشافات الأثرية والتي من خلالها يمكن فهم وإعادة ترتيب طقوس الاحتفالات المتنوعة التي كانت تقام في المملكة ومنها زيارة مقابر الملوك. وكان من المقرر أن يشارك باحثون آخرون من إيطاليا لكن حالت ظروف الاتصال عبر الانترنت دون ذلك.
عمارتها تدخل في فلسفة التاريخ
أما مشاركة د. محمد محفل فقد ركزت على العمارة في إبلا مؤكداً أن عمارة تلك المدينة تدخل في فلسفة التاريخ كونها ليست من حواضر الأنهر الكبرى بل تقع في منطقة لا ماء فيها، وهنا ركز محفل على المدلول الحضاري والمدني للمدينة فعلى الرغم من أنها لم تكن من الحواضر الكبرى إلا أنها لعبت دوراً مهماً في تاريخ بلاد الشام قديماً وهي إضافة لموقعها التجاري كانت تضم قطعاناً من المواشي وعرفت بصناعة الصوف إضافة لدورها مع مصر واعتبر محفل أن الدور الحضاري الذي لعبته إبلا يقتضي منا أن نعيد النظر في الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة عن المكان.
المدافن في إبلا
ومن جانبه قام الدكتور أحمد ديب بعرض لأنماط وأشكال المدافن المنتشرة في إبلا ومحيطها من خلال مجموعة صور وأشار إلى أنه توجد في هذه المنطقة مجموعة متنوعة من أنماط الدفن التي كانت منتشرة في سورية الوسطى والشمالية وهي إما مدافن فردية أو جماعية، أما المدافن الفردية فهي التي تحتوي على شخص أو أثنين فقط وغالباً توجد في المناطق السكنية لتبقى قريبة من أهل المتوفى – كما يقول ديب – وتنقسم إلى مدافن الحفرة ومدافن الجرة بالإضافة إلى المدافن الدائرية والصندوقية.
ويتابع ديب: أما المدافن الجماعية (الملكية) فهي مدافن لعلية القوم أو الأسرة الحاكمة في تلك الفترة وهي على نموذجين الأول محفور على الصخر والثاني مبني من الحجارة، كما نوه ديب إلى أن أرشيف إبلا ذكر معلومات هامة عن وجود المدافن وطقوس الدفن ولكن ليس عن مكانها وأغلب أفراد البلاط الملكي كان يتم دفنهم في مدافن لم يتم العثور عليها إلى الآن.
توثيق المواقع
وعن توثيق المواقع باستخدام نظم المعلومات الجغرافية أوضح عبد السلام الميداني أنه تم البدء بأول مشروع عام 2008 وهو مشروع دمشق القديمة وهو عبارة عن نظام مؤسساتي يعتمد على تراكم المعلومات وربط المواقع الأثرية بخريطة دمشق بالإضافة إلى صور عن هذه المباني القديمة، وفي 2009 كان هناك مشروع بالتعاون مع إيطاليا لتوثيق قلعة دمشق، وفي 2010 تم إنشاء أول قاعدة بيانات لمدينة قديمة هي بصرى وأشار الميداني إلى أنه يتم تطوير العمل ووضع رؤى وإستراتيجيات لعمل قاعدة بيانات بالتراث السوري.
انتهاك وتخريب
وختام جلسة اليوم كانت مع الباحث فجر محمد أمين متحف إدلب عن واقع إبلا الراهن وما تعانيه في ظل الأزمة من تعد وانتهاك وتخريب حيث أشار إلى أن من يزور إبلا في هذه الفترة يصاب بالصدمة والذهول والألم لما أصاب هذا الموقع العريق فكأنما حدث فيها زلزالاً خرب معالمها وأبعد عنها محبيها من منقبين مثقفين وعلماء آثار وسياح فقد أصبح الموقع مهجوراً موحشاً كئيباً وأصبح يئن تحت وطأة النسيان والإهمال فهذه الأعوام الأربعة دمرت الكثير من معالمه جزئياً وخربت بعض سوياته الأثرية واستباحت حرمته سرقة ونهباً وتخريباً، وأضاف محمد لقد عملنا ككوادر وعاملين في قطاع الآثار في ظروف قاسية قاهرة واستثنائية وواجهنا الكثير من مظاهر العداء والتهديد لأننا تصدينا للصوص والمخربين في الموقع ورغم ذلك استمرينا في تأدية الواجب.
لوردا فوزي