ثقافة

“المُستعمرة” البحث عن النجاة بطرق مشروعة

“ويبقى الحلّ الوحيد هو النجاة” هذه الجملة التي رددها البطل (سام) في المشهد الأخير، والتي رافقت مسير الباقين على قيد الحياة وسط أكوام الثلوج وقساوة الصقيع بحثاً عن الأمان وأملاً في إعادة الحياة الطبيعية إلى العالم.
تدور قصة الفيلم في عوالم افتراضية تتداخل مع قصص الخيال العلمي والتكهن بما سيحدث حولنا نتيجة الفقر بالموارد الغذائية، ويتناول بأسلوب مباشر قضية الصراع من أجل البقاء والخوف من الجوع، ويطرح إشكاليات تتعلق بالطرق المشروعة للعيش الآمن ويوجه أسئلة  لمن يفقد إنسانيته في الأوضاع الصعبة ويتحول إلى وحش قاتل، ولمن لايحترم قرار الآخرين بالبقاء أو الرحيل، فجاء برسائل مبطنة وبرموز تنسحب على كل الأزمنة والأمكنة والصراعات الدائرة.
تبدأ الأحداث من المستعمرة 7 الموجودة تحت الأرض وتضم عدداً قليلاً من الأشخاص الذين نجوا وبقوا على قيد الحياة بعد تساقط الثلوج دون توقف فتجمد العالم وتحوّل إلى فضاء ثلجي خيم على جميع المناطق، في المستعمرة حياة مختلفة يلتزم بها الأشخاص بقوانين صارمة تحكمهم ينتظرون التقنية التي تعدّل الطقس وتعيد الحياة إلى العالم، يتواصلون مع المستعمرة 5 بجهاز اللاسلكي ويحتفظون بقليل من الأطعمة والبذور التي يتضح دورها الكبير في نهاية الفيلم إضافة إلى وجود بعض الحيوانات مثل الأرانب والدجاج، الأمر المؤلم أنه إذا أُصيب أحدهم بالمرض يقتل أو يرحل كي لاتتسرب العدوى إلى الآخرين. وقد نجح المخرج بإيجاد أمكنة تتصف بالغرائبية تشبه المحطات المغلقة أو المركبات الفضائية، وترك حرية كبيرة للكاميرا لتدور في فضاء المحيط الثلجي الواسع وتترافق أحياناً مع تصادم الغيوم السابحة، وكانت الإضاءة الخافتة المؤثر المميز الذي وظّفه المخرج بذكاء لاسيما في المشاهد المخيفة، الحدث الأساسي هو الشارة التي جاءت من المستعمرة 5 تطلب المساعدة فيقرر قائد المستعمرة 7 (ريغرز) الذهاب برفقة الشابين سام وغرايدي لمساعدتهم. ومن هنا تبدأ رحلة الأخطار لتنتهي بمفاجأة غير متوقعة، توضح المشهد الذي بدا غريباً في بداية الفيلم حينما كان سام يركض مع الشابة كاي يضربان الباب بقوة وينظران إلى الخلف دون أن نعرف ماهيته وربطه بوتيرة الأحداث، يتعثر فريق النجاة بالمسير على الجسر شاهق الارتفاع ويصادفون وسط عاصفة شاحنة في داخلها جثث عائلة متجمدة، ثم يصلون إلى المركبة المتحركة التي يستريحون فيها وتكون موضع السرد الدرامي لريغرز الذي كان قائداً في جيش الإغاثة ويمثل البطل الإيجابي في الفيلم عكس صديقه الذي كان معه أيضاً في الإغاثة (ماسون)، ويعود هنا المخرج إلى سرد الأحداث عبْر مشاهد الفلاش باك ويصوّر موت عائلة سام بالصقيع وعثور ريغرز على سام وهو طفل.. مما يفسر تكرار المشهد الذي كان يلاحق سام في نومه وهو ينظر إلى وجه أمه المغطاة بالثلج، وفي منحى آخر تصبح المركبة محرّضاً لتداعي الذكريات المؤلمة التي عاشها ريغرز في الملعب الذي ضم مجموعة من الناجين وكيف كانت الإغاثة توزع عليهم الطعام والأدوية إلى أن نفدت المؤونة، وشرع الأشخاص المسلحون بسلب الآخرين كل ما يملكون ثم يقررون بقاءَهم أو قتلهم. نصل إلى ذروة الأحداث حينما يصلون إلى المستعمرة 5، ويشاهدون بقع الدم على الأرض ويسمعون أنيناً من بعيد فيكتشفون وجود الرجل المسن ليلاند المذعور من الباب الخلفي، فيخبرهم عن أشرار جاؤوا وقتلوا الجميع بعدما تعقبوا فريقهم الباحث عن النجاة بعد الشارة التي وصلت إليهم والتي تعلمهم بتمكن بعض الأشخاص من الأبراج من إيجاد تقنية تعديل الطقس وعثورهم على التربة وطلبهم البذور ممن يملكها لزراعتها. في هذا القسم من الفيلم يتغيّر المسار الدرامي حينما يفاجئنا المخرج بالمشهد المروّع للرجل الذي يهوي بالساطور على أشلاء الجثث وعلى وجود آكلي لحوم البشر.. لتبدأ سلسلة مواجهات مثيرة تنتهي بقتل غرايدي وخروج سام وريغرز من المستعمرة، ونستقرىء من الأحداث البعد الإنساني للقائد ريغرز الذي يقرر تفجير الجسر كي لايتمكن الأشرار من اللحاق بهم ومعرفة مكان المستعمرة 7 ،لكنه يدفع حياته ثمناً لنجاة الآخرين واحترام وعوده والتزامه باتفاقية تعاون مع المستعمرة 5، في المشاهد الأخيرة ينجح سام فقط في العودة ويحذر سكان المستعمرة 7 من الخطر القادم ،لكنه يصطدم بالبطل السلبي ماسون الذي يتحكم بالقيادة ويمنعهم من المغادرة لتدور معركة يعود خلالها مشهد البداية محاولة هروب سام وحبيبته كاي من الأشرار، وتنتهي المواجهة بتفجير المستعمرة ونجاة سام مع المجموعة الأخيرة ،ومن ثم محاولتهم الوصول إلى مكان البرج واللحاق بالأشخاص الذين تمكنوا من إيجاد تقنية التعديل ،ويترك المخرج النهاية مفتوحة قد يموتون جميعاً وقد يصل بعضهم..المهم أنهم يبحثون عن النجاة بطرق مشروعة بعيداً عن القتل والتدمير .جاء الفيلم بتوقيع المخرج جيف رينغو الذي شارك بكتابة السيناريو أيضاً وتميز بأداء الممثل لاوسينسر فيشوم الذي أدى دور ريغرز ،وهو إنتاج 2013وأدرج ضمن برنامج أفلام حديثة جداً في دار الأوبرا.
ملده شويكاني