ثقافة

يا شام عاد الصيف

لوردا فوزي

تنشغل دمشق اليوم في عودة طفلها المدلل الذي غفا لفترة طويلة بعض الشيء، ولكنها وبكل تصميم وإصرار استجمعت قواها وأيقظته من سباته لكي يحيا، لأنها خافت أن يعتاد النوم وينسى طعم الحركة والحياة، ومع أنها لوهلة فكرت بأن تدعه غافياً  ليس فقط لأنه طلب منها “خمس دقائق إضافية” كما يطلب جميع الأطفال من أهلهم، ولكن لأنها خشيت عليه من ويلات الحرب التي لم تنته بعد، إلا أن شوقها له وإيمانها بأنه سيكون “كما يجب أن يكون” انتصر على حرصها عليه وجعلها تقدم على ذلك، ولأنه مدللها لم ترد أن يفتح عينيه بعد تلك الغفوة ويرى ما لا يرضيه، لذا حاولت أن تهيئ له مكانه بأحلى طريقة وأكثرها “أمناً” وأخبرت جميع الأقارب والأحباب ودعت كذلك بعض الجيران، وفرحت له حتى “الشاشات التلفزيونية” وأفردت له البرامج و”الدعايات”، وعندما علم بكل ذلك وتسرب خبر انتظار الجميع له، أيقن أن ليس  لديه إلا خيار واحد وهو أن يفتح عينيه المغلقتين بعد خمس سنوات.

ومع أن عمر “معرض دمشق الدولي” الذي سينطلق مساء اليوم، يكمل 59 عاماً من “الفعاليات والنشاطات” إلا أن دمشق لم تكف يوماً عن اعتباره “طفلها” الذي تستعيد به روحها وتزين مساءاتها بتفاصيله، ولأن الوقت قد نضج هدهدت له بيسارها وكأنها تداعب الفرح، بينما بيمينها و”أخبار حربها” هزت العالم وأصبحت شغله الشاغل، ولكنها نهضت لاستقباله وحضنته بكلتا يديها وأهدته أياماً “تسعة” له وحده لا يشاركه فيها سواه، مخبئة للناس فيها معرضاً للزهور وآخر للحرف والصناعات التقليدية والتراثية السورية، وكذلك نشاطات فنية ترفيهية تعيد للمعرض ألقه في ذاكرة السوريين ويومياتهم وصيفهم.

ورغم أن أغاني فيروز لابد سترافق أيام المعرض جميعها، إلا أن حضورها سيكون خجلاً لأنها لن تؤدى بصوت فيروز التي اعتدنا على مرافقتها للمعرض الدمشقي وستفقد  قصيدة “يا شام عاد الصيف” شيئاً من بريقها في غياب سيدتها، لكن المعرض بكل ما سيقدمه وما “لن يقدمه” سيضيف حضوره على ليل دمشق “قمران ونجمة”، وابتداءً من اليوم ستكون “ليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح” ومنك تسطر صفحات المجد وتفتح بوابة التاريخ، وسيكون السوريون على موعد مع “معرضهم” بعد سبع سنوات عجاف عله يكون بشارة خير لانتهاء “الحرب” ولبداية سنوات مملوءة بالخير والسلام، وعله يرد الذاكرة المفقودة منذ غيابه ويحارب بالورد فيض الدم وهول الحرب.