بيانات تكشف عودة مليارات الدولارات إلى خزائن المصارف خفض أسعار الفائدة المصرفية.. ضرورة تمليها التطوّرات المالية الإيجابية لتحسين قطاع الأعمال
عدّة تطورات على الساحة الاقتصادية لمصلحة السوق المالية السورية حدثت خلال الربع الثالث من العام الجاري، لم تستطع الجهات الرسمية المختصة استثمارها كما يجب، وأهمّها على الإطلاق السماح للمصارف الخاصة السورية بالتعامل في العملات الأجنبية، وتطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي، المعروف باسم الـ”فاتكا”، لاستيفاء الضرائب من الأميركيين أو الذين يحملون الإقامة في الولايات المتحدة ويقيمون في الخارج، الأمر الذي حمل بعض السوريين على نقل أموالهم من لبنان إلى سورية، ما أدّى إلى تراجع حجم الودائع في المصارف اللبنانية، الأكثر استحواذاً على السيولة السورية من 20 مليار ليرة إلى 10 مليارات نهاية الشهر الماضي، حسب إحصائية أجراها “معهد ليفانت للدراسات”، إضافة إلى اصطدام المستثمرين السوريين المقيمين في لبنان بتطبيق نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة عمليات تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، ما أدّى إلى رفض المصارف في لبنان فتح حسابات مصرفية جديدة للسوريين بشكل عام، وذلك تنفيذاً لإجراءات المقاطعة الأميركية والأوروبية.
الاستقرار
عامل يمكن وصفه بالإيجابي، كان سبباً في زيادة الإيداعات، حيث أثر الاستقرار السياسي والعودة التدريجية للأمن والأمان في سحب المستثمرين في لبنان ومصر والأردن وتركيا لإيداعاتهم بالخارج وضخّها في السوق المالية السورية، كما أنّ جدية الحكومة السورية في إعادة الإعمار الذي سيستخدم بشكل أساسي القطاع المصرفي دفع الخبراء إلى الحديث عن ضرورة تعزيز قوة المصارف في سورية.
تطورات أدّت إلى زيادة حجم الإيداعات في المصارف السورية، غير أن الارتفاع الكبير في حجم الفائدة على التسليفات التي تتراوح بين 14 و18% أو الإحجام كلياً عن تقديم القروض بكل أنواعها (صغيرة، متوسطة، كبيرة)، حال دون تحقيق أرباح حقيقية، بل وهمية، وبالتالي النظام النقدي السوري لا يستطيع تحمّل ودائع كبيرة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي لما سيكلفه من فوائد مالية عالية.
مرونة
وبناءً على المستجدات، كان يفترض خفض أسعار الفائدة الدائنة والمدينة ومرونة أفضل في منح التسهيلات الائتمانية، والمنتظر -حسب تصريحات حاكم المصرف المركزي- صدور قرار تعديل أسعار الفوائد بالليرة السورية، بعد أن كانت الفوائد ضمن شرائح محددة، حيث يعتمد القرار “المرتقب” توسيع الهامش على الفوائد بالليرة ما يتيح حرية وتنافسية أكبر بين المصارف، كما ينتظر “المركزي” من المصارف الخاصة موافاته بتصوّراتها لتعديل الفوائد على العملات الأجنبية، وذلك بما ينسجم مع تشجيع الصناعات التصديرية والصناعات البديلة من الاستيراد والصناعات المشغّلة لليد العاملة.
قائمون على المصارف ورجال أعمال طالبوا في اجتماع جمعهم بحاكم المصرف المركزي منتصف الشهر الفائت، بتصنيف جديد للديون المتعثرة وضرورة تنشيط الأعمال، واقترحوا اعتماد تصنيفات أكثر مرونة للديون، على اعتبار أنها إجراءات تفتح باب الإقراض بشكل أوسع من المرحلة الراهنة.
وهمي
وتوضيحاً لما أشرنا إليه آنفاً، من أن أرباح المصارف الخاصة السورية وهمية، حيث يتفق جميع المحللين الماليين معنا أنها أرقام مضخّمة، إذ نتجت عن ارتفاع سعر صرف الليرة وليست نتيجةً لاستثمار الأموال، فلا وجود للأموال الموظفة ولا للمشاريع الاستثمارية، وحتى قروض التجزئة متوقفة، ولكي تكون الأرباح حقيقية يجب أن تنتج عن التشغيل ودوران رأس المال، وإن رفع الفوائد على القروض الممنوحة سابقاً كان له تأثير في الأرباح، وتعتبر كذلك أرباحاً تضخمية وليست أرباحاً واقعية على اعتبار أن القرض الممنوح لا يعمل في الاستثمار الذي منح لأجله، فالمصانع والمشاريع السياحية التي تم تمويلها من المصارف أغلبها توقف، فكل عملية الربح التي حققتها المصارف لا تشكل سوى 15% من الأموال الموظفة، يضاف إلى ذلك انخفاض العمولات بسبب انخفاض عمليات الاستيراد والتصدير والمناقصات، وهذا كله يعني أن كل الأرباح المحققة ناتجة عن تضخم أسعار الصرف ورفع سعر الفائدة، وليست نتيجة عمل هذه المصارف وتشغيل أموالها.
الإعمار
بالتالي خفض أسعار الفائدة كفيل بتشجيع الفعاليات الاقتصادية على الاقتراض لتمويل مشاريعهم، وكذلك على جذب المزيد من رجال الأعمال للاستثمار في سورية، والمساهمة في إعادة الإعمار.
والجدير بالذكر، أنّ العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجائرة المفروضة على سورية منذ ثمانينيات القرن الماضي تؤثر سلباً في أي استقطاب لأموال السوريين في الخارج التي يقدّرها بعض الخبراء بما يتراوح بين 120 و180 مليار دولار، وهناك تقديرات تتحدث عن 80 إلى 100 مليار دولار، وهو رقم كبير مقارنة مع الودائع في المصارف السورية التي كانت تُقدّر بحوالي 26 مليار دولار قبل عام 2011.
دمشق – سامر حلاس