مسرحية “الطوفان” حين يفتح الفساد باب البلد لطيور الظلام !!
قبيل بدء عرض الطوفان (على خشبة مسرح الحمراء) بدمشق يسترعي الاهتمام تقويم كبير في مقدمة ويسار الخشبة وعلى يمين الجمهور يشير إلى تاريخ اللحظة التي يُقَدم فيها العرض وتتبدل كل يوم للدلالة المباشرة أن أحداث المسرحية راهنة (جدا) (28أيلول حتى 2 تشرين أول) مع إيهام الجمهور بأننا في عام 30١4 ميلادية. ولم لا فما يجري في سورية هو طوفان أهوج ولربما (تسونامي) سياسي- حربي أفقد الجميع توازنه فاتحا المجال لخوف مقيم -لا ضمانة فيه لمستقبل أو حلم- قد يستمر لسنين طويلة قادمة.. في حين تتوضع حلقة كبيرة على أغلب مساحة الخشبة توحي بسبحة على شكل دائري، وفي العمق باب هو بمثابة مدخل لمضافة كبيرة حيث المكان مجهز لاجتماع أشخاص كثر، أي نحن حيال ديكور بسيط بمفرداته ودلالاته فلا كتل كبيرة ولا تعقيد رمزي أو فانتازي.
“الطوفان” نص كتبه جوان جان منذ زمن طويل رآه المخرج سهيل عقلة (مسرح عمالي) مناسبا لفهم ما يجري الآن وهنا من خلال إعادة إحيائه على الخشبة، رغم أن نضال حمود قدمه للمسرح القومي في طرطوس سابقا.
يستخدم المخرج الأغاني الدينية الصوفية كمشهد استهلالي فيه مناجاة للرب ليفرّج كربتنا وكربة هذه الأمة التي ألمت بها الغمة بعدها ندخل في أجواء العرض وأحداثه.
مختار ضيعة افتراضية يدعو لاجتماع عاجل لكل أعيان القرية ونخبتها لمناقشة كيفية مواجهة الطوفان القادم إلى المنطقة والذي سيجرف بهيجانه الأخضر واليابس الشجر والحجر.. فيحضر أستاذ المدرسة والمديرة والآغا والشيخ ورئيس المخفر والعشيقة ورئيس الجمعية الفلاحية.. جلسة مناقشة الخطر الداهم تتحول لمهاترات وتصفية حسابات بين المجتمعين، فينسوا خطر الطوفان وندخل في لعبة كشف لحال الخراب التي وصلنا إليها أو وصلت إليها القرية، وهنا نمر على قصص الشخصيات المجتمعة وحياتهم المغلفة بالأكاذيب، فرجل الدين يحاول اغتصاب المدرّسة حين قدومها إلى القرية مستفيدا من سلطته الدينية ومكانته، لكن الأستاذ يفضح أسراره، كما يفتضح أمر رئيس المخفر الذي ارتكب جريمة قتل لأحد الأشخاص وتمت لفلفة الأمر من خلال التستر على مهرب قريب لمتنفذ في الضيعة، وكذلك نكتشف تجاوزات المختار والآغا، فجميع متنفذي القرية يشكلون موضوعيا حلف فساد متين رغم حروبهم مع بعضهم، وكل منهم يرفض تقديم أي جهد لمواجهة الطوفان كما هي حال الآغا الذي يرفض إعطاء أي قطعة أرض لإقامة سد عليها لإنقاذ القرية من قوة الطوفان التدميرية، إنهم فئة يجمعهم الجشع والأنانية، فمصلحتهم أهم من مصلحة البلد وبقائه الذي فيه بقاؤهم أيضا.. وبهذا سينتصر الطوفان، فأهل البلد دمروا مقدرات وثروات وأخلاق بلدهم ومهدوا الأرضية الخصبة لتسلل الخطر الخارجي المتمثل بالطوفان.
يتخلل العرض رقصات وموسيقى بهدف إغناء مشهدية العرض وكسر رتابته إضافة لإدخال عنصر الكوميديا في الحوارات وصراع الشخصيات، بغية تقديم مسرح شعبي قريب للجمهور العنصر الأهم والفاعل فيه الممثل وحركته على الخشبة، وإهمال العنصر الجمالي والغنى السينوغرافي مما أفقر المشهدية.. بينما اكتفت الإضاءة بملاحقة الشخصيات وكشف قصصها السرية، باستخدام التركيز الضوئي على الحيز الذي يقف فيه الممثل وإعتام باقي المساحة بهدف الإبقاء على تركيز المشاهد لإماطة اللثام عما يدور تحت حجب الشعارات والورع والأخلاق الحميدة حيث التزييف صناعة متقنة للنخبة الحاكمة والمسيطرة في هذه القرية.
ورغم جهد المخرج في محاولة تقديم فرجة مسرحية شعبية بسيطة إلا أنه فشل في تقديم ممثليه بالشكل الأفضل كأداء وحوار وحركة ضمن الكادر حيث سيطر الصراخ أحيانا على البعض والارتباك على البعض الآخر وعدم إتقان الحوار في مشاهد كثيرة.. كل ذلك جعل العرض أقرب إلى “بروفا” غير مكتملة.
بطاقة العرض:
فرقة المسرح العمالي – تأليف: جوان جان- إخراج: سهيل عقلة- تمثيل الفنانين: إميل حنا، ياسر البردان، غسان مارديني، سمير اللوجي، مؤيد الأحمد، أنور النصار، ديالا العلي، فهد السكري، لين حديد، بلال الطيان- تصميم الديكور: سامي حريب- تصميم الإضاءة: بسام حميدي- تنفيذ إضاءة: عماد حنوش- تصميم إعلاني: زهير العربي- تنفيذ صوت: راكان عضيمي- إدارة منصة: أنس طبري
أحمد خليل